(قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) معناه : فإن قالوا : ليس من شركائنا من يقدر عليه أو سكتوا فقل أنت لهم : الله هو الذي يبدأ الخلق (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أي كيف تصرفون عن الحق وتقلبون عن الإيمان (قُلْ) يا محمد (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) أي هل من هذه الأصنام من يهدي الناس إلى الرشد وما فيه الصلاح والنجاة (قُلْ) أنت لهم (اللهُ) هو الذي (يَهْدِي لِلْحَقِ) إلى طريق الرشاد (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) معناه : أفمن يهدي غيره إلى طريق التوحيد والرشد (أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ) أمره ونهيه (أَمَّنْ لا يَهِدِّي) أحدا (إِلَّا أَنْ يُهْدى) إلّا بمنزلة حتى فكأنه قال أم من لا يهتدي حتى يهدى ، أم من لا يعلم حتى يعلم ؛ ولو دلّ أو علم لم يستدل (فَما لَكُمْ) قال الزجاج : هذا كلام تام كأنه قال أيّ شيء لكم في عبادة من لا يضرّ ولا ينفع (كَيْفَ تَحْكُمُونَ) هذا تعجيب من حالهم ، أي كيف تقضون بأن هذه الأصنام آلهة وأنها تستحق العبادة (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا) أي ليس يتبع أكثر هؤلاء الكفار إلّا ظنا ، الظن الذي لا يجدي شيئا من تقليد آبائهم ورؤسائهم (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) لأن الحق إنما ينتفع به من علمه حقا وعرفه معرفة صحيحة (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) من عبادة غير الله تعالى فيجازيهم عليه.
٣٧ ـ ٤٠ ـ ثم ردّ الله سبحانه على الكفار قولهم إئت بقرآن غير هذا أو بدّله ، وقولهم ان النبي (ص) افترى هذا القرآن فقال (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى) أي افتراء (مِنْ دُونِ اللهِ) بل هو وحي من الله ومتلقى منه (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من الكتب كما قال في موضع آخر : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) ، وهذه شهادة من الله بأن القرآن صدق وشاهد لما تقدم من التوراة والإنجيل والزبور بأنها حق (وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ) معناه : بيان الأدلة التي تحتاجون إليها في أمور دينكم (لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي لا شكّ فيه أنه نازل من عند الله ، وانه معجز لا يقدر أحد على مثله ، وهذا غاية في التحدي (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) هذا تقرير على موضع الحجة بعد مضي حجة أخرى وتقديره : أيقولون افتراه؟ فألزمهم على الأصل الفاسد إمكان أن يأتوا بمثله و (قُلْ) لهم (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) أي مثله في البلاغة لأنكم من أهل لسانه ، فلو قدر على ذلك لقدرتم أنتم أيضا عليه ، فإذا عجزتم عن ذلك فاعلموا انه ليس من كلام البشر ، وانه منزل من عند الله عزّ اسمه (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) أي وادعوا من قدرتم عليه من دون الله واستعينوا به للمعاضدة على المعارضة بسورة مثله (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في أنّ هذا القرآن مفترى من دون الله ، وهذا أيضا غاية في التحدي والتعجيز (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) لم يعلموه من جميع وجوهه (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) أي لم يأتهم بعد حقيقة ما وعد في الكتاب مما يؤول إليه أمرهم من العقوبة ، وقيل معناه : إن في القرآن أشياء لا يعلموها هم ولا يمكنهم معرفته إلّا الرجوع إلى النبي (ص) فلم يرجعوا إليه وكذّبوا به فلم يأتهم تفسيره وتأويله فيكون معنى الآية بل كذبوا بما لم يدركوا علمه من القرآن ولم بأتهم تفسيره ولو راجعوا فيه رسول الله صلّى عليه وآله لعلموه ، وروي عن أبي عبد الله عليهالسلام انه قال : إن الله خصّ هذه الأمة بآيتين من كتابه : أن لا يقولوا إلّا ما يعلمون ، وان لا يردّوا ما لا يعلمون ، ثم قرأ : (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) الآية ، وقرأ : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) الآية. وقيل : إن من هنا أخذ أمير المؤمنين عليهالسلام قوله : الناس اعداء ما جهلوا ، وأخذ قوله : قيمة كل امرىء ما يحسنه من قوله عزوجل : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) ، وأخذ قوله : تكلموا تعرفوا من قوله : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي مثل تكذيب هؤلاء كذبت الأمم