أي تكونا بأكلها من الظالمين لأنفسكما ، ويجوز أن يقال لمن بخس نفسه الثواب أنه ظالم لنفسه ، كقوله تعالى حكاية عن أيوب : (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) ، حيث بخس نفسه الثواب بترك المندوب إليه.
٣٦ ـ ثم بيّن سبحانه حال آدم (ع) قال : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) أي حملهما على الزلة ، نسب الأزلال إلى الشيطان لما وقع بدعائه ووسوسته وإغوائه قوله : (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) يعني آدم وذريته ، وإبليس وذريته (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) أي مقر ومقام وثبوت بأن جعل الأرض قرارا لكم (وَمَتاعٌ) أي استمتاع (إِلى حِينٍ) إلى وقت الموت وقيل : إلى يوم القيامة.
٣٧ ـ ٣٨ ـ قوله : (فَتَلَقَّى آدَمُ) أي قبل وأخذ وتناول على سبيل الطاعة (مِنْ رَبِّهِ) ورب كل شيء (كَلِماتٍ) واغنى قوله فتلقى عن أن يقول : فرغب إلى الله بهن ، أو سأله بحقهن ، لأن معنى التلقي يفيد ذلك وينبىء عما حذف من الكلام اختصارا ، ولهذا قال تعالى : (فَتابَ عَلَيْهِ) لأنه لا يتوب عليه إلّا بأن سأله بتلك الكلمات ، وهي أن آدم رأى مكتوبا على العرش أسماء معظمة مكرمة فسأل عنها فقيل له : هذه أسماء أجل الخلق منزلة عند الله تعالى (اهْبِطُوا) أي انزلوا ، واختلف في تكرار الهبوط فقيل : الهبوط الأول من الجنة إلى السماء ، وهذا الهبوط من السماء إلى الأرض (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً) إن الإهباط إنما كان للإبتلاء والتكليف (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) أي بيان ودلالة (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) أي اقتدى برسلي واحتذى أدلتي فلا يلحقهم خوف من أهوال يوم القيامة من العقاب ، ولا هم يحزنون على فوات الثواب ، فأما الخوف والحزن في الدنيا فإنه يجوز أن يلحقهم لأن من المعلوم أن المؤمنين لا ينفكون منه.
٣٩ ـ (الَّذِينَ كَفَرُوا) أي جحدوا (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) أي دلالاتنا وما أنزلناه على الأنبياء ف (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) أي الملازمون للنار (هُمْ فِيها خالِدُونَ) أي دائمون.
٤٠ ـ (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) هو خطاب لليهود الذين كانوا بالمدينة وما حولها (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) أراد بذلك النعم التي أنعم بها على أسلافهم من كثرة الأنبياء فيهم والكتب ، وأنجائهم من فرعون ومن الغرق على أعجب الوجوه وأنزال المن والسلوى عليهم وكون الملك فيهم في زمن سليمان (ع) ، وغير ذلك ، وعدّ النعمة على آبائهم نعمة عليهم لأن الأولاد يتشرفون بفضيلة الآباء.
٤١ ـ ثم قال مخاطبا لليهود : (وَآمِنُوا) أي صدّقوا (بِما أَنْزَلْتُ) على محمد (ص) من القرآن لأنه منزل من السماء إلى الأرض (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) من التوراة وقوله : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) أي بالقرآن من أهل الكتاب (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) والمعنى : لا تستبدلوا بآياتي أي بما في التوراة من بيان صفة محمد ونعته ثمنا قليلا أي عرضا يسيرا من الدنيا (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) فاخشوني في أمر محمد (ص) لا ما يفوتكم من المآكل.
٤٢ ـ قوله : (لا تَلْبِسُوا) لا تخلطوا (الْحَقَّ بِالْباطِلِ) ومعنى ألبسهم الحق بالباطل : أنّهم آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي لا تكتموا صفة النبي (ص) في التوراة وأنتم تعلمون أنّه حقّ.
٤٣ ـ (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي أدّوها بأركانها وحدودها وشرائطها كما بيّنها النبي (ص) (وَآتُوا الزَّكاةَ) أي أعطوا ما فرض الله عليكم في أموالكم على ما بيّنه الرسول لكم ، وقوله : (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) الخطاب لليهود ولم يكن في صلاتهم ركوع وكان الأحسن ذكر المختص دون المشترك لأنه