والتقوى وهو العمل بما أمرهم الله تعالى به واتقاء ما نهاهم عنه ، ونهاهم أن يعين بعضهم بعضا على الإثم ، وهو ترك ما أمرهم به ، وارتكاب ما نهاهم عنه من العدوان ، وهو مجاوزة ما حدّ الله لعباده في دينهم ، وفرض لهم في أنفسهم (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) هذا أمر منه تعالى بالتقوى ، ووعيد لمن تجاوز أمره.
٣ ـ (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) أي حرم عليكم أكل الميتة والإنتفاع بها (وَالدَّمُ) أي وحرم عليكم الدم وكانوا يجعلونه في المباعر ويشوونه ويأكلونه (وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) وإنما ذكر لحم الخنزير ليبين أنه حرام بعينه لا لكونه ميتة ، حتى انه لا يحل تناوله وإن حصل فيه ما يكون ذكاة لغيره (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) وتقديره : وحرّم عليكم ما أهل لغير الله به ، وقد ذكرنا معناه في سورة البقرة (وَالْمُنْخَنِقَةُ) وهي التي يدخل رأسها ، بين شعبتين من شجرة فتنخنق وتموت (وَالْمَوْقُوذَةُ) وهي التي تضرب حتى تموت (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) وهي التي تقع من جبل أو مكان عال ، أو تقع في بئر فتموت (وَالنَّطِيحَةُ) هي التي ينطحها غيرها فتموت (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) أي وحرّم عليكم ما أكله السبع بمعنى : قتله السبع ، وهي فريسة السبع (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) يعني إلّا ما أدركتم ذكاته فذكيتموه من هذه الأشياء (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) يعني الحجارة التي كانوا يعبدونها وهي الأوثان (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) أي وحرّم عليكم الإستقسام بالأزلام ومعناه : إن جميع ما سبق ذكره فسق ، أي ذنب عظيم وخروج من طاعة الله إلى معصيته (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) ليس يريد يوما بعينه بل معناه : الآن يئس الكافرون من دينكم ، يريد أن الله تعالى حوّل الخوف الذي كان يلحقهم من الكافرين اليوم إليهم ، ويئسوا من بطلان الإسلام (فَلا تَخْشَوْهُمْ) خطاب للمؤمنين نهاهم أن يخشوا ويخافوا من الكفار أن يظهروا على دين الإسلام (وَاخْشَوْنِ) أي ولكن اخشوني : أي خافوني (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (ص) لما نزلت هذه الآية قال : الله أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي ، وولاية علي بن أبي طالب من بعدي وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) خاطب سبحانه المؤمنين بأنه أتم النعمة عليهم بإظهارهم على المشركين ، ونفيهم عن بلادهم (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) أي رضيت لكم الإسلام لأمري ، والإنقياد لطاعتي على ما شرعت لكم من حدوده وفرائضه ومعالمه ، دينا : أي طاعة منكم لي ، فالزموها ولا تفارقوها (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ) معناه : فمن دعته الضرورة في مجاعة حتى لا يمكنه الإمتناع من أكله (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) أي غير مائل إلى إثم (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المعنى : فمن اضطر إلى ما حرّمت عليه غير متجانف لاثم فأكله ، فإن الله غفور لذنوبه ، ساترا عليه أكله ، لا يؤاخذه به. وهو رحيم : أي رفيق بعباده ، ومن رحمته أباح لهم ما حرّم عليهم في حال الخوف على النفس.
٤ ـ (يَسْئَلُونَكَ) يا محمد (ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) أي شيء أحل لهم؟ أي يستخبرك المؤمنون ما الذي أحل لهم من المطاعم والمآكل؟ (قُلْ) يا محمد (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) منها وهي الحلال الذي أذن لكم ربكم في أكله من المأكولات والذبائح والصيد (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ) أي وأحل لكم أيضا مع ذلك صيد ما علّمتم من الجوارح ، أي الكواسب من سباع الطير والبهائم (مُكَلِّبِينَ) أي أصحاب الصيد بالكلاب (تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) أي لأن تؤدبونهن حتى يصرن معلمة مما