بقدره (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) نهى سبحانه عن الحلف على أمر يكون باطنه بخلاف ظاهره ، فيضمر خلاف ما يظهر ، أي يضمر الخلف والحنث فيه (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) هذا مثل ضربه الله تعالى ومعناه : فتضلوا عن الرشد بعد أن تكونوا على هدى ، يقال : زل قدم فلان في أمر كذا إذا عدل عن الصواب (وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي تذوقوا العذاب بما منعتم الناس عن اتباع دين الله (وَلَكُمْ) مع ذلك (عَذابٌ عَظِيمٌ) يريد عذاب الآخرة.
٩٥ ـ ١٠٠ ـ لمّا تقدّم عن نقض العهد أكد سبحانه فقال (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) أي لا تخالفوا عهد الله بسبب شيء يسير تنالونه من حطام الدنيا فتكونوا قد بعتم عظيم ما عند الله بالشيء الحقير (إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) معناه : ان الذي عند الله من الثواب على الوفاء بالعهود خير لكم واشرف مما تأخذونه من عرض الدنيا على نقضها (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الفرق بين الخير والشر ، والتفاوت الذي بين القليل الفاني والكثير الباقي (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) بيّن سبحانه بهذا ان العلة التي لأجلها كان الثواب خيرا من متاع الدنيا هو ان الثواب الذي عند الله يبقى ، والذي عندكم من نعيم الدنيا يفنى (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا) أي لنكافئن الذين ثبتوا على الطاعات وعلى الوفاء بالعهود (أَجْرَهُمْ) وثوابهم (بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي بالطاعات من الواجبات والمندوبات ، فإن أفعال المكلف قد تكون طاعة وقد تكون مباحا لا يقع الجزاء عليه ولا يستحق عليه أجر ولا حمد فلذلك قال سبحانه بأحسن فإن الطاعة أحسن من المباح وهذا يدل على فساد قول من يقول انه لا يكون حسن أحسن من حسن (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) هذا وعد من الله سبحانه ، أي من عمل عملا صالحا سواء كان ذكرا أو أنثى وهو مع ذلك مؤمن مصدق بتوحيد الله ، مقرّ بصدق أنبيائه (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) قيل فيه أقوال (أحدها) ان الحياة الطيبة الرزق الحلال عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعطا (وثانيها) انها القناعة والرضا بما قسم الله عن الحسن ووهب وروي ذلك عن النبي (ص) (وثالثها) انها الجنة عن قتادة ومجاهد وابن زيد قال الحسن لا يطيب لأحد حياة إلّا في الجنة وقال ابن زيد ألا ترى الى قوله يا ليتني قدمت لحياتي (ورابعها) انها رزق يوم بيوم (وخامسها) انها حياة طيبة في القبر (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) مرّ تفسيره وإنما كرّره تأكيدا (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) معناه : إذا أردت يا محمد قراءة القرآن فاستعذ بالله من شر الشيطان المرجوم المطرود الملعون ، وهذا كما يقال : إذا أكلت فاغسل يديك ، وإذا صلّيت فكبّر ، ومنه : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) والإستعاذة : استدفاع الأدنى بالأعلى على وجه الخضوع والتذلل ، وتأويله : استعذ بالله من وسوسة الشيطان عند قراءتك لتسلم في التلاوة من الزلل ، وفي التأويل من الخطل (إِنَّهُ) يعني الشيطان (لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ) أي تسلط وقدرة (عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا) بالله (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) والمعنى : أنه لا يقدر على أن يكرههم على الكفر والمعاصي (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) معناه : إنما تسلطه على الذين يطيعونه فيقبلون دعاءه ، ويتبعون اغواءه (وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ) أي بسبب طاعته (مُشْرِكُونَ) بالله وقيل معناه : والذين هم بالله مشركون ، أي يشركون مع الله سبحانه غيره في العبادة.
١٠١ ـ ١٠٥ ـ ثم قال سبحانه مخبرا عن أحوال الكفار (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) معناه : واذا نسخنا آية وآتينا مكانها آية أخرى (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ) معناه : والله أعلم بمصالح ما ينزل فينزل كل وقت ما توجبه المصلحة ، وقد تختلف المصالح باختلاف الأوقات ، كما تختلف باختلاف الأجناس والصفات (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) أي قال المشركون : إنما