أن يشاء الله أن يمكّنكم من إكراهنا فنعود إلى اظهارها مكرهين (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) انتصب علما على التمييز ، وتقديره : وسع علم ربنا كل شيء فنقل الفعل إلى نفسه لما فيه من جزالة اللفظ وفخامة المعنى ، وقيل في وجه اتصاله بما قبله : ان الملة إنما يتعبّد بها على حسب ما في المعلوم من المصلحة ، فالمعنى : أنه سبحانه أحاط علمه بكل شيء فهو اعلم بما هو أصلح لنا فيتعبدنا به ، وقيل : ان المراد به أنه عالم بما يكون منا من عود أو ترك (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) في الانتصار منكم ، وفي كل أمورنا (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) هذا سؤال من شعيب ، ورغبة منه إلى الله في أن يحكم بينه وبين قومه بالحق على سبيل الانقطاع إليه سبحانه وإن كان من المعلوم أن الله سيفعله لا محالة وقيل معناه : اكشف بيننا وبين قومنا (وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) أي خير الحاكمين والفاصلين.
٩٠ ـ ٩٣ ـ ثم حكى الله سبحانه ما قالت الجماعة الكافرة الجاحدة بآيات الله فقال : (وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) أي من قوم شعيب للباقين منهم (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً) في دينه ، وتركتم دينكم انقيادا لأمره ونهيه (إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) والخسران : ذهاب رأس المال ، فكأنهم قالوا : إن اتبعتموه كنتم بمنزلة من ذهب رأس ماله وقيل : خاسرون مغبونون (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أي فأخذ قوم شعيب الزلزلة ، وقيل : ارسل الله عليهم حرّا شديدا فأخذ بأنفاسهم فدخلوا أجواف البيوت ، فدخل عليهم البيوت ، فلم ينفعهم ظل ولا ماء ، وانضجهم الحرّ ، فبعث الله سحابة فيها ريح طيبة فوجدوا برد الريح وطيبها ، وظل السحابة ، فتنادوا : عليكم بها ، فخرجوا إلى البريّة ، فلما اجتمعوا تحت السحابة الهبها الله عليهم نارا ، ورجفت بهم الأرض ، فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلي وصاروا رمادا ، وهو عذاب يوم الظلة ، عن ابن عباس وغيره من المفسرين ، وقيل : بعث الله عليهم صيحة واحدة فماتوا عن أبي عبد الله عليهالسلام ، وقيل : إنه كان لشعيب قومان ، قوم هلكوا بالرجفة ، وقوم هم أصحاب الظلة (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ) أي منازلهم (جاثِمِينَ) أي ميتين ملقين على وجوههم (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) أي كأنهم لم يقيموا بها قطّ ، لأن المهلك يصير كأن لم يكن (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً) عاد اللفظ تأكيدا وتغليظا (كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ) مرّ معناه ، بيّن سبحانه أنهم الخاسرون دون من آمن به (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ) شعيب أي أعرض عنهم لما رأى اقبال العذاب عليهم اعراض الآيس منهم (وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) فيما أمرني فلم تؤمنوا (وَنَصَحْتُ لَكُمْ) فلم تقبلوا ومعناه : أن ما نزل بكم من البلاء وإن كان عظيما فقد استوجبتم ذلك بجنايتكم على أنفسكم (فَكَيْفَ آسى) أي فكيف أحزن؟ (عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) حلّ العذاب بهم مع استحقاقهم له ، وهذا تسل من شعيب بما يذكر من حاله معهم في مناصحته لهم ، وتأديته رسالة ربه إليهم ، وأنه لا ينبغي أن يأسى عليهم مع تمردهم في كفرهم ، وشدة عتوهم.
٩٤ ـ ٩٥ ـ ثم ذكر سبحانه بعد ما اقتصّ من قصص الأنبياء ، وتكذيب أممهم إياهم ، وما نزل بهم من العذاب تسلية لنبينا (ص) فقال (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ) من القرى التي اهلكناها بالعذاب (مِنْ نَبِيٍ) وهو من يؤدّي عنا بلا واسطة من البشر ، فلم يؤمنوا به بعد قيام الحجة عليهم (إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها) يعني أهل تلك القرية (بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) أي ليتنبّهوا ويعلموا أنه مقدمة العذاب ، ويتضرّعوا أو يتوبوا عن شركهم ومخالفتهم ، ويعني بالبأساء : ما نالهم من