٤ ـ ثم بين تعالى تمام صفة المتقين فقال : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) : يعني القرآن ، (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) : يعني الكتب المتقدمة ، وقوله : (وَبِالْآخِرَةِ) : أي بالدار الآخرة وإنما وصفت بالآخرة لتأخرها عن الدنيا ، كما سميت الدنيا دنيا لدنوها من الخلق وقيل : لدناءتها. (هُمْ يُوقِنُونَ) : يعلمون ، وسمي العلم يقينا لحصول القطع عليه ، وسكون النفس إليه.
٥ ـ لما وصف المتقين بهذه الصفات بين ما لهم عنده تعالى فقال أولئك إشارة إلى الموصوفين بجميع الصفات المتقدمة وهم جملة المؤمنين ، (عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) أي من دين ربهم وإنما قال : من ربهم لأن كل خير وهدى فمن الله تعالى ، ثم كرّر تفخيما فقال : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي الظافرون بالبغية ، والباقون في الجنة.
٦ ـ لما بين تعالى حال المؤمنين وصله بذكر الكافرين ، والكفر في الشرع عبارة عن جحد ما أوجب الله تعالى معرفته من توحيده وعدله ، ومعرفة نبيه ، وما جاء به من أركان الشرع ، فمن جحد شيئا من ذلك كان كافرا ، وهذه الآية تدل على صدق النبي (ص) لأنه أخبر بأنهم لا يؤمنون فكان كما أخبر.
٧ ـ إنّ المراد بالختم العلامة ، وإذا إنتهى الكافر من كفره إلى حالة يعلم الله تعالى أنه لا يؤمن فإنه يعلّم على قلبه علامة وقيل : هي نكتة سوداء تشاهدها الملائكة فيعلمون بها أنه لا يؤمن بعدها فيذمونه ويدعون عليه.
٨ ـ بيّن الله تعالى حالهم فأخبر سبحانه أنهم يقولون : صدقنا بالله وما أنزل على رسوله من ذكر البعث ، فيظهرون كلمة الإيمان وكان قصدهم أن يطلعوا على أسرار المسلمين فينقلوها إلى الكفار ، ثم نفى عنهم الإيمان فقال : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) ، وفي هذا تكذيبهم فيما أخبروا عن اعتقادهم من الإيمان.
٩ ـ معنى قوله : (يُخادِعُونَ اللهَ) أي يعملون عمل المخادع ، لأن الله تعالى لا يصح أن يخادعه من يعرفه ويعلم أنه لا يخفى عليه خافية ، فمعنى يخادعون : يظهرون غير ما في نفوسهم وقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي ويخادعون المؤمنين بقولهم إذا رأوهم قالوا : آمنا وهم غير مؤمنين ، ومعنى قوله : (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) إنهم وإن كانوا يخادعون المؤمنين في الظاهر فهم يخادعون أنفسهم لأنهم يظهرون لها بذلك أنهم يعطونها ما تمنت وهم يوردونها به العذاب الشديد ، فوبال خداعهم راجع إلى أنفسهم (وَما يَشْعُرُونَ) : أي ما يعلمون أنه يرجع عليهم بالعذاب ، فهم في الحقيقة إنما خدعوا أنفسهم.
١٠ ـ (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) المراد بالمرض في الآية الشك والنفاق بلا خلاف ، وإنما سمي الشك في الدين مرضا لأن المرض هو الخروج عن حد الإعتدال ، فالبدن ما لم تصبه آفة يكون صحيحا سويا وكذلك القلب ما لم تصبه آفة من الشك يكون صحيحا ، وقوله : (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) المراد : في قلوبهم حزن لنزول القرآن بفضائحهم ومخازيهم فزادهم الله مرضا بأن زاد في إظهار مقابحهم ومساويهم ، والاخبار عن خبث سرائرهم ، وسوء ضمائرهم ، وسمي الغم مرضا لأنه يضيّق الصدر كما يضيقه المرض ثم قال : (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) وهو عذاب النار (بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) أي بتكذيبهم الله ورسوله.
١١ ـ ١٢ ـ المراد (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بعمل المعاصي ، وصدّ الناس عن الإيمان أو بممالأة الكفار ، فإن فيه توهين الإسلام ، وتغيير الملة وتحريف الكتاب (قالُوا : إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) ، إنهم جحدوا ذلك وقالوا : إنا لا نعمل بالمعاصي ، ولا نمالىء الكفار ، ولا نحرّف الكتاب ، وكان ذلك نفاقا منهم كما قالوا : (آمَنَّا بِاللهِ) ولم يؤمنوا ثم قال : (أَلا إِنَّهُمْ) أي اعلموا أن هؤلاء المنافقين