وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ).
وأما الغضب من الله تعالى فهو إرادته إنزال العقاب المستحق بهم ، ولعنهم وبراءته منهم. واصل الغضب الشدة ، والضلال في الدين : الذهاب عن الحق.
سورة البقرة مدنية
وآياتها مائتان وست وثمانون آية
١ ـ اختلف العلماء في الحروف المعجمة المفتتحة بها السور فذهب بعضهم إلى أنها من المتشابهات التي استأثر الله تعالى بعلمها ولا يعلم تأويلها إلا هو ، وهذا هو المروي عن أئمتنا عليهمالسلام ، وفسرها آخرون على وجوه (أحدها) انها أسماء السور ومفاتحها (وثانيها) ان المراد بها الدلالة على أسماء الله تعالى فقوله تعالى : (الم) معناه : أنا الله أعلم ، و (المر) معناه : أنا الله أعلم وأرى ، و (المر) معناه : أنا الله أعلم وأفضل ، والكاف في (كهيعص) من كاف ، والهاء من هاد ، والياء من حكيم ، والعين من عليم ، والصاد من صادق ، عن ابن عباس (وثالثها) انها أسماء الله تعالى متقطعة لو أحسن الناس تأليفها لعلموا اسم الله الأعظم تقول : (الر) و (حم) و (ن) فيكون الرحمن وكذلك سائرها ، إلا أنا لا نقدر على وصلها والجمع بينها (ورابعها) انها أسماء القرآن (وخامسها) انها أقسام أقسم الله تعالى بها وهي من أسمائه (وسادسها) ان كل حرف منها مفتاح إسم من أسماء الله تعالى وليس فيها حرف إلا وهو في آلائه وبلائه (وسابعها) انها تسكيت للكفار لأن المشركين كانوا تواصوا فيما بينهم أن لا يستمعوا لهذا القرآن وأن يلغوا فيه كما ورد به التنزيل من قوله : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) الآية ، فربما صفروا ، وربما صفقوا ، وربما لغطوا ليغلّطوا النبي (ص) ، فأنزل الله تعالى هذه الحروف حتى إذا سمعوا شيئا غريبا إستمعوا إليه وتفكروا واشتغلوا عن تغليطه فيقع القرآن في مسامعهم ، ويكون ذلك سببا موصلا لهم إلى درك منافعهم (وثامنها) ان المراد بها أن هذا القرآن الذي عجزتم عن معارضته من جنس هذه الحروف التي تتحاورون بها في خطبكم وكلامكم ، فإذا لم تقدروا عليه فاعلموا أنه من عند الله ، لأن العادة لم تجر بأن الناس يتفاوتون في القدر هذا التفاوت العظيم ، وإنما كررت في مواضع استظهارا في الحجة.
٢ ـ المراد بالكتاب القرآن وقال الأخفش : ذلك بمعنى هذا لأن الكتاب كان حاضرا ، وقيل : إن الله وعد نبيّه أن ينزل عليه كتابا لا يخلق على كثرة الرد ، فلما أنزل القرآن قال : هذا القرآن ذلك الكتاب الذي وعدتك ومعنى قوله : (لا رَيْبَ فِيهِ) : أي أنه بيان وهدى وحق ومعجز فمن ههنا استحق الوصف بأنه لا شك فيه لأن الأسباب التي توجب الشك في الكلام هي التلبيس والتعقيد والتناقض والدعاوى العارية من البرهان وهذه كلها منفية عن كتاب الله تعالى ، وأما تخصيص المتقين بأن القرآن هدى لهم وإن كان هدى لجميع الناس فلأنهم هم الذين انتفعوا به واهتدوا بهداه كما قال : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) ، وإن كان (ص) منذرا لكل مكلف ، لأنّه إنما إنتفع بإنذاره من يخشى نار جهنم.
٣ ـ لما وصف القرآن بأنه هدى للمتّقين بيّن صفة المتقين فقال : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) ، أي يصدّقون بجميع ما أوجبه الله تعالى ، وقد روى الخاص والعام عن علي بن موسى الرضا (ع): إن الإيمان هو التصديق بالقلب ، والإقرار باللسان ، والعمل بالأركان. قوله : (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) : يؤدونها بحدودها وفرائضها قوله : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) : يريد مما أعطيناهم وملكناهم يخرجون على وجه الطاعة ، وعن ابن عباس أنه الزكاة المفروضة.