بصفاتهم ، يدعونهم بأساميهم وكناهم ، ويسمّون رؤساء المشركين وقيل : بعلاماتهم التي جعلها الله تعالى لهم من سواد الوجوه ، وتشويه الخلق ، وزرقة العين عن الجبائي ، وقيل : بصورهم التي كانوا يعرفونهم بها في الدنيا (قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ) الأموال والعدد في الدنيا (وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) أي واستكباركم عن عبادة الله وعن قبول الحق ، وقد كنا نصحناكم فاشتغلتم بجمع المال ، وتكبرتم فلم تقبلوا منا ، فأين ذلك المال ، وأين ذلك التكبر؟ وقيل معناه : ما نفعتكم جماعتكم التي استندتم إليها ، وتجبّركم عن الإنقياد لأنبياء الله في الدنيا (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ) أي حلفتم أنهم لا يصيبهم الله برحمة وخير ، ولا يدخلون الجنة ، كذبتم ، ثم يقولون لهؤلاء (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) أي لا خائفين ولا محزونين ، على أكمل سرور وأتم كرامة والمراد بهذا تقريع الذين زروا على ضعفاء المؤمنين حتى حلفوا أنهم لا خير لهم عند الله. وقد اضطربت أقوال المفسرين في القائل لهذا القول ، فقال الأكثرون : انه كلام أصحاب الأعراف ، وقيل : هو كلام الله تعالى ، وقيل كلام الملائكة والصحيح ما ذكرناه لأنه المروي عن الصادق عليهالسلام.
٥٠ ـ ٥١ ـ ثم ذكر سبحانه كلام أهل النار وما أظهروه من الإفتقار بدلا مما كانوا عليه من الاستكبار فقال : (وَنادى) أي وسينادي (أَصْحابُ النَّارِ) وهم المخلدون في النار وفي عذابها (أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ) أي صبوا علينا من الماء نسكن به العطش ، وندفع به حر النار (أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) أي أعطاكم الله من الطعام (قالُوا) يعني أهل الجنة جوابا لهم (إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً) معناه : اتخذوا دينهم الذي كان يلزمهم التدين به ، والتجنب من محظوراته لعبا ولهوا ، فحرموا ما شاؤوا ، واستحلوا ما شاؤوا بشهواتهم (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) أي اغتروا بها وبطول البقاء فيها ، فكأن الدنيا غرتهم (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) أن نتركهم في العذاب كما تركوا التأهب والعمل للقاء هذا اليوم وقيل معناه : نعاملهم معاملة المنسي في النار ، فلا نجيب لهم دعوة ، ولا نرحم لهم عبرة ، كما تركوا الإستدلال حتى نسوا العلم ، وتعرضوا للنسيان (وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) تقديره : كنسيانهم لقاء يومهم هذا ، وكونهم جاحدين لآياتنا. واختلف في هذه الآية فقيل : ان الجميع كلام الله تعالى على غير وجه الحكاية عن أهل الجنة ، وقيل : انه من كلام أهل الجنة.
٥٢ ـ ٥٣ ـ لما ذكر حال الفريقين بيّن سبحانه أنه قد أتاهم الكتاب والحجة فقال : (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ) وهو القرآن (فَصَّلْناهُ) بيناه وفسّرناه (عَلى عِلْمٍ) أي ونحن عالمون به (هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي دلالة ترشدهم إلى الحق ، وتنجيهم من الضلالة ، ونعمة على جميع المؤمنين لأنهم المنتفعون به (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) أي هل ينتظرون إلّا عاقبة الجزاء عليه ، وما يؤول مغبّة أمورهم إليه عن الحسن وقتادة ومجاهد والسدي ، وإنما أضاف إليهم مجازا لأنهم كانوا جاحدين لذلك ، غير متوقعين له ، وإنما كان ينتظر بهم المؤمنون لإيمانهم بذلك ، واعترافهم به وقيل : ان تأويله ما وعدوا به من البعث والنشور ، والحساب والعقاب (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) أي يوم يأتي عاقبة ما وعدوا به (يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ) أي يقول الذين تركوا العمل به ترك الناسي له ، واعرضوا عنه (قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) اعترفوا بأن ما جاءت به الرسل كان حقا ، والحق : ما شهد بصحته العقل (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا) تمنوا أن يكون لهم شفعاء يشفعون لهم