الكتاب ، وآيات قرآن مميّز بين الحق والباطل ، وقيل : هو المبين للحلال والحرام ، والأوامر والنواهي ، والأدلة وغير ذلك (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) أي ربما يتمنى الكفار الإسلام في الآخرة إذا صار المسلمون إلى الجنة ، والكفار إلى النار. وروى مجاهد عن ابن عباس قال : ما يزال الله يدخل الجنة ويرحم ويشفع حتى يقول : من كان من المسلمين فليدخل الجنة ، فحينئذ يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين وروي مرفوعا عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : إذا اجتمع أهل النار في النار ، ومعهم من يشاء الله من أهل القبلة ، قال الكفّار للمسلمين ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا : بلى قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار؟ قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها ، فيسمع الله عزوجل ما قالوا ، فأمر من كان في النار من أهل الإسلام فأخرجوا منها ، فحينئذ يقول الكفار : يا ليتنا كنّا مسلمين (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا) معناه : دعهم يأكلوا في دنياهم أكل الأنعام ، ويتمتعوا فيها بما يريدون ، والتمتع : التلذذ وهو طلب اللذة حالا بعد حال (وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ) أي وتشغلهم آمالهم الكاذبة عن اتباع النبي (ص) والقرآن ، يقال : الهاه الشيء : أي شغله وأنساه (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) وبال ذلك فيما بعد حين يحلّ بهم العذاب يوم القيامة ، وصاروا إلى ما يجحدون به. (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) معناه : ولم نهلك أهل قرية فيما مضى على وجه العقوبة إلّا وكان لهم أجل مكتوب لا بد أن سيبلغونه ، يريد فلا يغرنّ هؤلاء الكفار إمهالي إياهم إنما ينزل العذاب بهم في الوقت المكتوب المقدر لذلك (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ) أي لم تكن أمة فيما مضى تسبق أجلها فتهلك قبل ذلك ، ولا تتأخر عن أجلها الذي قدّر لها ، بل إذا استوفت أجلها أهلكها الله.
٦ ـ ١٨ ـ (وَقالُوا) أي قال المشركون للنبي (ص) (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) أي القرآن في زعمه ودعواه (إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) في دعواك أنه نزل عليك ، وفي توهمك انا نتبعك ونؤمن بك (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) يشهدون لك على صدق قولك (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فيما تدعيه ثم أجابهم سبحانه بالجواب المقنع فقال : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِ) أي لا ننزل الملائكة إلّا بالحق الذي هو الموت ، لا يقع فيه تقديم وتأخير فيقبض أرواحهم (وَما كانُوا إِذاً) أي حين ننزل الملائكة (مُنْظَرِينَ) مؤخرين ممهلين ، أي لا يمهلون ساعة ثم زاد سبحانه في البيان فقال (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) أي القرآن (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) عن الزيادة والنقصان ، والتحريف والتغيير ، متكفل بحفظه إلى آخر الدهر على ما هو عليه ، فتنقله الأمة وتحفظه عصرا بعد عصر إلى يوم القيامة (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد رسلا (فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ) أي في فرق الأولين (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وهذا تسلية للنبي (ص) إذ أخبره أن كل رسول كان مبتلى بقومه ، واستهزاؤهم بالرسل ، وإنما حملهم على ذلك استبعادهم ما دعوهم إلي ، واستيحاشم منه ، واستنكارهم له حتى توهموا أنه مما لا يكون ولا يصح مع مخالفته لما وجدوا عليه أسلافهم (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) معناه : إنا نسلك الذكر الذي هو القرآن في قلوب الكفار بأخطاره عليها ، وإلقائه فيها ، وبأن نفهمهم إياه وأنهم مع ذلك (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) ماضين على سنة من تقدمهم في تكذيب الرسل كما سلكنا دعوة الرسل في قلوب من سلف من الأمم (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) أي مضت طريقة الأمم المتقدمة بأن كانت رسلهم تدعوهم إلى كتب الله المنزلة ثم لا يؤمنون ثم قال بعد ما تقدم ذكر اقتراحهم للآيات (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ) أي على هؤلاء المشركين (باباً مِنَ السَّماءِ) ينظرون إليه (فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) أي فظل هؤلاء المشركون يعرجون إلى السماء من ذلك الباب ،