فالأقرب في النسب والدار (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً). أي شجاعة (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) عن الشرك ، أي معينهم وناصرهم ومن كان الله ناصره لم يغلبه أحد. ثم عاد الكلام إلى ذكر المنافقين فقال سبحانه (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) من القرآن (فَمِنْهُمْ) يعنى من المنافقين (مَنْ يَقُولُ) على وجه الإنكار ، أي يقول بعضهم لبعض (أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ) السورة (إِيماناً) أي يقينا وبصيرة (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً) معناه : فأما المؤمنون المخلصون فزادتهم تصديقا بالفرائض مع إيمانهم بالله (وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) أي يسرون ويبشر بعضهم بعضا ، قد تهلّلت وجوههم وفرحوا بنزولها (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي شك ونفاق (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) أي نفاقا وكفرا إلى نفاقهم وكفرهم لأنهم يشكّون في هذه السورة كما شكّوا فيما تقدمها من السور ، فذلك هو الزيادة ، وسمي الكفر رجسا على وجه الذم له وأنه يجب تجنبه كما يجب تجنب الأرجاس (وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) أي واداهم شكّهم فيما أنزل الله تعالى من السور إلى أن ماتوا على كفرهم وآبوا شر مآب.
١٢٦ ـ ١٢٩ ـ ثم نبّه سبحانه على اعراض المنافقين عن النظر والتدبر لما ينبغي أن ينظروا ويتدبروا فيه فقال (أَوَلا يَرَوْنَ) أي أو لا يعلم هؤلاء المنافقون وقيل معناه : أولا يبصرون (أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ) أي يمتحنون (فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) أي دفعة أو دفعتين بالأمراض والأوجاع وهو رائد الموت (ثُمَّ لا يَتُوبُونَ) أي لا يرجعون عن كفرهم (وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) أي لا يتذكرون نعم الله عليهم (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) معناه : وإذا نزلت سورة من القرآن وهم حضور عند النبي (ص) كرهوا ما يسمعونه ونظر بعضهم إلى بعض (هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ) وإنما يفعلون ذلك لأنهم منافقون يحذرون أن يعلم بهم ، فكأنهم يقول بعضهم لبعض : هل يراكم من أحد؟ ثم يقومون فينصرفون ، وإنما يفعلون ذلك مخافة أن تنزل آية تفضحهم ، وقيل معناه : ان المنافقين كان ينظر بعضهم إلى بعض نظر تعنت وطعن في القرآن ثم يقولون هل يرانا أحد من المسلمين ، فإذا تحقق لهم أنه لا يراهم أحد من المسلمين بالغوا فيه وإن علموا أنهم يراهم واحد منهم كفوا عنه (ثُمَّ انْصَرَفُوا) أي انصرفوا عن المجلس (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) عن الفوائد التي يستفيدها المؤمنون والسرور بها ، وحرموا الاستبشار بتلك الحال (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) أي ذلك بسبب أنهم لا يفقهون مراد الله بخطابه لأنهم لا ينظرون فيه ، ثم خاطب الله سبحانه جميع الخلق وأكد خطابه بالقسم فقال (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) عنى بالرسول محمدا (ص) ، أي جاءكم رسول من جنسكم من البشر ، ثم من العرب ، ثم بني اسماعيل (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) معناه : شديد عليه عنتكم : أي ما يلحقكم من الضرر بترك الإيمان (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) معناه : حريص على من لم يؤمن أن يؤمن (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) رؤوف بالمطيعين منهم رحيم بالمذنبين وقيل : رؤوف بأقربائه رحيم بأوليائه ، رؤوف لمن رآه ، رحيم بمن لم يره ، وقال بعض السلف : لم يجمع الله سبحانه لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلّا للنبي صلىاللهعليهوآله فإنه قال : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) وقال ؛ (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي ذهبوا عن الحق واتباع الرسول وما يأمرهم به واعرضوا عن قبوله (فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ) أي كافيّ الله فإنه القادر على كل شيء (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) وبه وثقت ، وعليه اعتمدت ، وأموري إليه فوضت (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) خصّ العرش بالذكر تفخيما لشأنه ، ولأنه إذا كان رب العرش مع عظمه كان رب ما دونه في العظم وقيل : إن العرش عبارة عن الملك العظيم في السماوات والأرض وقيل : إن هذه الآية آخر آية نزلت من السماء وآخر سورة كاملة نزلت سورة براءة وقال