١٦٨ ـ (الَّذِينَ قالُوا) يعني المنافقين (لِإِخْوانِهِمْ) في النسب لا في الدين ، يعني عبد الله بن أبي وأصحابه قالوا في قتلى أحد (وَقَعَدُوا) هم يعني هؤلاء القائلون (لَوْ أَطاعُونا) في القعود في البيت وترك الخروج إلى القتال (ما قُتِلُوا قُلْ) لهم يا محمد (ص) (فَادْرَؤُا) أي فادفعوا (عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في هذه المقالة ، ولا يمكنهم دفع الموت ، لأنه يجوز أن يدخل عليهم العدو فيقتلهم في قعر بيوتهم ، وإنما ألزمهم الله دفع الموت عن أنفسهم بمقالتهم : انهم لو لم يخرجوا لم يقتلوا ، لأن من علم الغيب في السلامة من القتل يجب أن يمكنه أن يدفع عن نفسه الموت وفي هذا ترغيب في الجهاد ، وبيان أن كل أحد يموت بأجله ، فلا ينبغي أن يجعل ذلك عذرا في القعود عن الجهاد ، لأن المجاهد ربما يسلم ، والقاعد ربما يموت ، فيجب أن يكون على الله التكلان.
١٦٩ ـ ١٧١ ـ لما حكى الله سبحانه قول المنافقين في المقتولين الشهداء تثبيطا للمؤمنين عن جهاد الأعداء ، ذكر بعده ما أعدّ الله للشهداء من الكرامة ، وخصّهم به من النعيم في دار المقامة فقال : (وَلا تَحْسَبَنَ) أيها السامع أو أيها الإنسان (الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي في الجهاد وفي نصرة دين الله (أَمْواتاً) أي موتى كما مات من لم يقتل في سبيل الله (بَلْ أَحْياءٌ) أي بل هم أحياء ، وقد مرّ تفسيره في سورة البقرة عند قوله : ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات الآية ، وقوله : (عِنْدَ رَبِّهِمْ) انهم بحيث لا يملك لهم أحد نفعا ولا ضرا إلا ربهم ، وليس المراد بذلك قرب المسافة لأن ذلك من صفة الأجسام وذلك مستحيل على الله تعالى (يُرْزَقُونَ) من نعيم الجنة غدوا وعشيّا (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي يسرّون بما أعطاهم الله من ضروب نعمه في الجنة وقيل : فرحين بما نالوا من الشهادة وجزائها (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) أي يسرّون بإخوانهم الذين فارقوهم وهم أحياء في الدنيا على مناهجهم من الإيمان والجهاد لعلمهم بأنهم ان استشهدوا لحقوا بهم (أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) معناه : لا خوف عليهم فيما يقدمون عليه لأن الله محص ذنوبهم بالشهادة ، ولا هم يحزنون على مفارقة الدنيا فرحا بالآخرة (يَسْتَبْشِرُونَ) يعني هؤلاء الذين قتلوا في سبيل الله الذين وصفهم الله بأنهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) الفضل والنعمة عبارتان يعبّر بهما عن معنى واحد والمراد : أنها ليست نعمة على قدر الكفاية ، من غير مضاعفة السرور واللذة (وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) أي يوفر جزاءهم.
١٧٢ ـ ١٧٤ ـ (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) أي أطاعوا الله في أوامره وأطاعوا رسوله (مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ) أي نالهم الجراح يوم أحد (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ) بطاعة رسول الله وإجابته إلى الغزو (وَاتَّقَوْا) معاصي الله لهم (أَجْرٌ عَظِيمٌ) أي ثواب جزيل (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) إنهم الركب الذين دسهم أبو سفيان إلى المسلمين ليجبنوهم عند منصرفهم من أحد لما أرادوا الرجوع إليهم (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) المعني به أبو سفيان أي جمعوا جموعا كثيرة لكم (فَاخْشَوْهُمْ) أي خافوهم ثم بيّن تعالى أن ذلك القول زادهم إيمانا وثباتا على دينهم ، وإقامة على نصرة نبيهم بأن قال : (فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) أي كافينا الله وولينا وحفيظنا ، والمتولي لأمرنا ، (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) : أي نعم الكافي والمعتمد والملجأ الذي يوكل إليه الأمور (فَانْقَلَبُوا) أي فرجع النبي ومن معه من أصحابه