الأشياء ، وأنعم بها عليكم (يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) يريد نعمة الدنيا ويدل عليه قوله (لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) قال ابن عباس معناه : لعلكم يا أهل مكة تعلمون انه لا يقدر على هذا غيره فتوحدوه ، وتصدقوا رسوله (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) هذا تسلية للنبي (ص) ومعناه : فان اعرضوا عن الإيمان بك يا محمد ، والقبول عنك ، وعن التدبر لما عددته في هذه السورة من النعم وبينت فيها من الدلالات فلا عتب عليك ولا لوم ، فانما عليك البلاغ الظاهر وقد بلغت كما امرت. ثم اخبر سبحانه عن الكفار فقال (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها) أي يعرفون نعم الله تعالى عليهم بما يجدونه من خلق نفوسهم ، واكمال عقولهم ، وخلق انواع المنافع التي ينتفعون بها لهم ، ثم انهم مع ذلك ينكرون تلك النعم ان تكون من جهة الله تعالى خاصة ، بل يضيفونها إلى الأوثان ، ويشكرون الأوثان عليها يقولون : رزقنا ذلك بشفاعة آلهتنا فيشركونهم معه فيها (وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) إنما قال : أكثرهم لأن منهم من لم تقم الحجة عليه إذ لم يبلغ حد التكليف لصغره ، أو كان ناقص العقل ، أو لم تبلغه الدعوة فلا يقع عليه اسم الكفر ، وقيل انما ذكر الأكثر لأنه علم سبحانه ان فيهم من يؤمن ، وقيل : انه من الخاص في الصيغة العام في المعنى ، عن الجبائي ، وقريب منه قول الحسن ، أراد جيمعهم الكافرون ، وانما عدل عن البعض احتقارا له ان يذكره ؛ وفي هذه الآية فساد قول المجبرة : انه ليس لله تعالى على الكافر نعمة ، وان جميع ما فعله بهم هو خذلان ونقمة ، لأنه نصّ في هذه الآية على خلاف قولهم (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) يعني يوم القيامة. بيّن سبحانه انه يبعث فيه من كل أمة شهيدا وهم الأنبياء والعدول من كل عصر يشهدون على الناس بأعمالهم وفائدة بعث الشهداء مع علم الله سبحانه بذلك ان ذلك أهول في النفس ، وأعظم في تصور الحال ، وأشد في الفضيحة إذا قامت الشهادة بحضرة الملإ مع جلالة الشهود وعدالتهم عند الله تعالى ، ولأنهم إذا علموا ان العدول عند الله يشهدون عليهم بين يدي الخلائق فإن ذلك يكون زجرا لهم عن المعاصي (ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي لا يؤذن لهم فيعتذرون. (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) لا يسترضون ولا يستصلحون (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ) إذا رأى الذين أشركوا النار (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ) العذاب (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي لا يمهلون.
٨٦ ـ ٩٠ ـ ثم أبان سبحانه عن حال المشركين يوم القيامة فقال (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ) يعني الأصنام والشياطين الذين أشركوهم مع الله في العبادة وقيل : سمّاهم شركاءهم لأنهم جعلوا لهم نصيبا من الزرع والأنعام فهم إذا شركاؤهم على زعمهم (قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ) أي يقولون : هؤلاء شركاؤنا الذين أشركناهم معك في الإلهية والعبادة ، وأضلونا عن دينك ، فحملهم بعض عذابنا (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) معناه : فقالت الأصنام وسائر ما كانوا يعبدونه من دون الله بانطاق الله تعالى إياهم لهؤلاء : انكم لكاذبون في انا امرناكم بعبادتنا ولكنكم اخترتم الضلال بسوء اختياركم لأنفسكم (وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ) معناه : استسلم المشركون وما عبدوهم من دون الله لأمر الله ، وانقادوا لحكمه يومئذ (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي بطل ما كانوا يأملونه ويتمنونه من الأماني الكاذبة من أن آلهتهم تشفع لهم وتنفع (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي اعرضوا عن دين الله (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) أي عذبناهم على صدهم عن دين الله زيادة على عذاب الكفر. وقيل : زدناهم الأفاعي والعقارب في النار لها أنياب كالنخل الطوال عن ابن مسعود (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أي من أمثالهم من البشر ، ويجوز أن يكون ذلك الشهيد نبيهم الذي أرسل إليهم ، ويجوز أن يكون المؤمنون العارفون يشهدون عليهم بما فعلوه من المعاصي. وفي هذه الآية دلالة على ان كل عصر لا يجوز أن