للبيان فقال : (وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ) فكأنه قال : حرّم ربي الفواحش التي منها الإثم ـ ومنها البغي ، ومنها الإشراك بالله وقيل : ان الفواحش هي الزنا والإثم : الخمر وأنشد الأخفش :
شربت الإثم حتى ظلّ عقلي |
|
كذاك الإثم يذهب بالعقول |
والبغي : الظلم والفساد وقوله : (بِغَيْرِ الْحَقِ) تأكيد كقوله : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍ) (وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ) أي وحرّم الشرك بالله (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) أي لم يقم عليه حجة ، وكل اشراك بالله فهو بهذه الصفة ليس عليه حجة ولا برهان (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) أي وحرم القول على الله بغير علم. ثم بين تعالى ما فيه تسلية النبي (ص) في تأخير عذاب الكفار فقال : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) أي لكل جماعة وأهل عصر وقت لاستئصالهم ، ولم يقل لكل أحد لأن ذكر الأمة يقتضي تقارب أعمار أهل العصر ، ووجه آخر وهو أنه يقتضي إهلاكهم في الدنيا بعد إقامة الحجة عليهم بإتيان الرسل (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ) أي لا يتأخرون (ساعَةً) عن ذلك الوقت (وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) أي لا يتقدمون ساعة على ذلك الوقت.
٣٥ ـ ٣٦ ـ لما تقدّم ذكر النعم الدنيوية عقّبه بذكر النعم الدينية فقال : (يا بَنِي آدَمَ) هو خطاب يعمّ جميع المكلفين من بني آدم (إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ) أي ان يأتكم (رُسُلٌ مِنْكُمْ) أي من جنسكم (يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي) أي يعرضونها عليكم ، ويخبرونكم بها (فَمَنِ اتَّقى) إنكار الرسل والآيات (وَأَصْلَحَ) عمله وقيل : فمن اتقى المعاصي واجتنبها ، والتقوى اسم جامع لذلك وتقديره : فمن اتقى منكم واصلح (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) في الدنيا (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) في الآخرة (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي حججنا (وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها) أي عن قبولها (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) الملازمون لها (هُمْ فِيها خالِدُونَ) باقون فيها على وجه الدوام والتأبيد.
٣٧ ـ ثم ذكر سبحانه وعيد المكذبين فقال : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) أي لا أحد أظلم منه ، صورته صورة الإستفهام والمراد به الأخبار ، وإنما جاء بلفظ الإستفهام ليكون أبلغ (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) الدالة على توحيده ، ونبوة رسله (أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ) أي من العذاب إلّا انّه كنى عن العذاب بالكتاب لأن الكتاب ورد به كقوله : لقد حقت كلمة العذاب على الكافرين عن الحسن وأبي صالح ، وقيل معناه : ينالهم نصيبهم من العمر والرزق وما كتب لهم من الخير والشر ، فلا يقطع عنهم رزقهم بكفرهم ، عن الربيع وابن زيد وقيل : ينالهم جميع ما كتب لهم وعليهم (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا) يعني الملائكة ، أي حتى إذا استوفوا أرزاقهم وجاءهم ملك الموت مع أعوانه (يَتَوَفَّوْنَهُمْ) أي يقبضون أرواحهم (قالُوا) يعني الملائكة (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأوثان والأصنام ، والمراد بهذا السؤال توبيخهم ، أي هلا دفعوا عنكم ما نزل بكم من العذاب؟ (قالُوا) يعني الكفار (ضَلُّوا عَنَّا) أي ذهبوا عنا وافتقدناهم فلا يقدرون على الدفع عنا ، وبطلت عبادتنا إياهم (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) أي أقروا على نفوسهم بالكفر.
٣٨ ـ ٣٩ ـ (قالَ ادْخُلُوا) هذه حكاية قول الله تعالى للكفار يوم القيامة ، وأمره لهم بالدخول (فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ) أي في جملة أقوام وجماعات قد مضت (مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) على الكفر (فِي النَّارِ) أي ادخلوا مع أمم كافرة