١٣٦ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) معناه : يا أيها الذين آمنوا في الظاهر بالاقرار بالله ورسوله آمنوا في الباطن ليوافق باطنكم ظاهركم ، ويكون الخطاب للمنافقين الذين كانوا يظهرون خلاف ما يبطنون (وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ) وهو القرآن (وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) هو التوراة والإنجيل (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ) أي يجحده أو يشبهه بخلقه ، أو يرد أمره ونهيه (وَمَلائِكَتِهِ) أي ينفيهم أو ينزلهم منزلة لا تليق بهم (وَكُتُبِهِ) فيجحدها (وَرَسُولِهِ) فينكرهم (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي يوم القيامة (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) أي ذهب عن الحق وبعد عن قصد السبيل ذهابا بعيدا. قال الحسن : الضلال البعيد هو ما لا ائتلاف له.
١٣٧ ـ ١٣٩ ـ ثم قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) قيل في معناه أقوال (أحدها) انه عني به الذين آمنوا بموسى ثم كفروا بعبادة العجل وغير ذلك (ثُمَّ آمَنُوا) يعني النصارى بعيسى (ثُمَّ كَفَرُوا) به (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) بمحمد (ص) عن قتادة (وثانيها) انه عني به الذين آمنوا بموسى ثم كفروا بعد موسى ، ثم آمنوا بعزيز ، ثم كفروا بعيسى ، ثم ازدادوا كفرا بمحمد (ص) عن الزجاج والفراء (وثالثها) انه عني به طائفة من أهل الكتاب أرادوا تشكيك نفر من أصحاب رسول الله فكانوا يظهرون الإيمان بحضرتهم ثم يقولون : قد عرضت لنا شبهة أخرى فيكفرون ، ثم ازدادوا كفرا بالثبات عليه إلى الموت ، عن الحسن ، وذلك معنى قوله تعالى : (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) باظهارهم الإيمان ، فلو كانت بواطنهم كظواهرهم في الإيمان لما كفروا فيما بعد (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) معناه : ولا يهديهم إلى سبيل الجنة ثم قال : (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ) أي اخبرهم يا محمد (بِأَنَّ لَهُمْ) في الآخرة (عَذاباً أَلِيماً) أي وجيعا ان ماتوا على كفرهم ونفاقهم ثم وصف هؤلاء المنافقين فقال : (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ) أي مشركي العرب (أَوْلِياءَ) أي ناصرين ومعينين واخلاء (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) أي من غيرهم (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) أي يطلبون عندهم القوة والمنعة باتخاذهم هؤلاء أولياء. ثم أخبر سبحانه ان العزة والمنعة له فقال : (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) يريد سبحانه انهم لو آمنوا مخلصين له ، وطلبوا الإعتزاز بالله تعالى وبدينه ورسوله والمؤمنين لكان أولى بهم من الإعتزاز بالمشركين ، فان العزة جميعا لله سبحانه ، يعز من يشاء ، ويذل من يشاء.
١٤٠ ـ لمّا تقدّم ذكر المنافقين وموالاتهم الكفار ، عقّب ذلك بالنهي عن مجالستهم ومخالطتهم فقال : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ) أي في القرآن (أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها) أي يكفر بها المشركون والمنافقون ويستهزءون بها (فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ) أي مع هؤلاء المستهزئين الكافرين (حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) أي حتى يأخذوا في حديث غير الاستهزاء بالدين وقيل : حتى يرجعوا إلى الإيمان ويتركوا الكفر والاستهزاء (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) يعني انكم اذا جالستموهم على الخوض في كتاب الله ، والهزء به ، فأنتم مثلهم ، وإنما حكم بأنهم مثلهم لأنهم لم ينكروا عليهم مع قدرتهم على الإنكار ، ولم يظهروا الكراهة لذلك ، ومتى كانوا راضين بالكفر كانوا كفارا ، لأن الرضا بالكفر كفر. وفي الآية دلالة على وجوب إنكار المنكر مع القدرة وزوال العذر ، وان من ترك ذلك مع القدرة عليه فهو مخطىء آثم ، وفيها أيضا دلالة على تحريم مجالسة الفساق والمبتدعين من أي جنس كانوا (إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) أي ان الله يجمع الفريقين من أهل الكفر والنفاق في القيامة في النار ، والعقوبة فيها ، كما اتفقوا في الدنيا على عدواة