ينفقون في السراء والضراء ، أي هؤلاء (جَزاؤُهُمْ) على أعمالهم وتوبتهم (مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) أي ستر لذنوبهم (وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) قد مر تفسيرها في سورة البقرة (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) هذا يعني ما وصفه من الجنات وأنواع الثواب والمغفرة بستر الذنوب حتى تصير كأنها لم تعمل في زوال العار بها ، والعقوبة عليها ، والله تعالى متفضل بذلك لأن اسقاط العقاب عند التوبة تفضل منه.
١٣٧ ـ ١٣٨ ـ لما بيّن سبحانه ما يفعله بالمؤمن والكافر في الدنيا والآخرة بيّن أن ذلك عادته في خلقه فقال : (قَدْ خَلَتْ) أي قد مضت (مِنْ قَبْلِكُمْ) يا أصحاب محمد (ص) (سُنَنٌ) من الله في الأمم السالفة إذا كذبوا رسله ، وجحدوا نبوتهم ، بالاستيصال ، وتبقية آثارهم في الديار للإعتبار والإتعاظ ، (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) أي تعرفوا أخبار المكذبين وما نزل بهم لتتعظوا بذلك ، وتنتهوا عن مثل ما فعلوه ، ولا تسلكوا في التكذيب والإنكار طريقتهم فيحل بكم من العذاب ما حلّ بهم ، وأراد بالمكذبين الجاحدين للبعث والنشور والثواب والعقاب ، جازاهم الله في الدنيا بعذاب الاستيصال ، وفي الآخرة بأليم العذاب ، وعظيم النكال (هذا) إشارة إلى القرآن (بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً) أي دلالة وحجة لهم كافة ، وبيان لطريق الرشد ليسلك دون طريق الغي (وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) وإنما خصّ المتقين به مع كونه بيانا وهدى وموعظة للناس كافة لأن المتقين هم المنتفعون به ، والمهتدون بهداه ، والمتعظون بمواعظه.
١٣٩ ـ ١٤٠ ـ (وَلا تَهِنُوا) ولا تضعفوا عن قتال عدوكم (وَلا تَحْزَنُوا) على ما نالكم من المصائب بقتل الإخوان (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) أي الظافرون المنصورون الغالبون عليهم (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) معناه : ان من كان مؤمنا يجب أن لا يهن ولا يحزن لثقته بالله (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) ان يصبكم ألم وجراح يوم أحد فقد أصاب القوم ذلك يوم بدر (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) أي نصرفها مرة لفرقة ومرة عليها (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) بما يظهر من صبرهم على جهاد عدوهم (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) ليكرم بالشهادة من قتل يوم أحد (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) ظاهر المعنى.
١٤١ ـ ثم بيّن تعالى وجه المصلحة في مداولة الأيام بين الناس فقال : (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) أي وليبتلي الله الذين آمنوا (وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) ينقصهم وفي هذه الآية دلالة على انه تعالى إنما يداول بين الناس لتمحيص ذنوب المؤمنين ، ومحق الكافرين وإنما يمحصهم بالمداولة لأن في تخليتهم وتمكين الكافرين منهم تعريضا لهم للصبر الذي يستحقون به عظيم الأجر ، ويحط به عنهم كثيرا من أثقال الوزر.
١٤٢ ـ ١٤٣ ـ لما حثّ الله على الجهاد ورغّب فيه ، زاد في البيان والإخبار بأن الجنة لا تنال إلا بالبلوى والإختبار فقال : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) المراد به الإنكار ، أي أظننتم أيها المؤمنون أنكم تدخلون الجنة (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) أي ولما يجاهد المجاهدون منكم فيعلم الله جهادهم ، ويصبر الصابرون منكم فيعلم صبرهم على القتال (وَلَقَدْ كُنْتُمْ) يا أصحاب محمد (ص) (تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) أي تتمنون الموت ، وذلك إن قوما ممن فاتهم شهود بدر كانوا يتمنون الموت بالشهادة بعد بدر قبل أحد ، فلما رأوه يوم أحد أعرض كثير منهم عنه فانهزموا فعاتبهم الله على ذلك (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ) الهاء