(كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ) من هذه الأمم النار (لَعَنَتْ أُخْتَها) يعني التي سبقتها إلى النار ، وهي أختها في الدين لا في النسب وقيل : يلعن الاتباع القادة والرؤساء إذا حصلوا في العذاب بعد ما كانوا يتوادون في الدنيا يقولون : أنتم أوردتمونا هذه الموارد فلعنكم الله (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا) أي تلاحقوا واجتمعوا (فِيها) أي في النار (جَمِيعاً) أي كان هذا حالهم حتى اجتمعوا فيها ، فلما اجتمعوا فيها (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ) أي قالت أخراهم دخولا النار وهم الاتباع لأولاهم دخولا وهم القادة والرؤساء (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا) أي شرعوا لنا أن نتخذ من دونك إلها وقيل معناه : دعونا إلى الضلال وحملونا عليه ، ومنعونا عن اتباع الحق ، قال الصادق (ع): يعني أئمة الجور (فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) أي فاعطهم عذابا مضاعفا ، قال ابن مسعود : أراد بالضعف هنا الحيات والأفاعي وقيل : أراد بأحد الضعفين : عذابهم على الكفر ، وبالآخر عذابهم على الإغواء (قالَ) الله تعالى (لِكُلٍّ ضِعْفٌ) أي للتابع والمتبوع عذاب مضاعف لأنهم قد دخلوا في الكفر جميعا (وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) أيها المضلّون والمضلّون ما لكل فريق منكم من العذاب (وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ) أي قال المتبوعون للتابعين (فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) أي تفاوت في الكفر حتى تطلبوا من الله أن يزيد في عذابنا وينقص من عذابكم وقيل معناه : قالت الأمة السابقة للأمة المتأخرة ما كان لكم علينا من فضل من الرأي والعقل ، وقد بلغكم ما نزل بنا من العذاب فلم اتبعتمونا (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) من الكفر باختياركم لا باختيارنا لكم.
٤٠ ـ ٤١ ـ ثم عاد الكلام إلى الوعيد فقال سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها) أي تكبروا عن قبولها (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ) أي لا تفتح أبواب السماء لأرواحهم كما تفتح لأرواح المؤمنين وقيل : لا تفتح لأعمالهم ولدعائهم وقيل : لا تفتح لهم أبواب السماء لدخول الجنة لأن الجنة في السماء (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) أي حتى يدخل البعير في ثقب الإبرة والمعنى : لا يدخلون الجنة أبدا وهذا كما تقول العرب في التبعيد للشيء : لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب ، وحتى يبيض القار ، وتعليق الحكم بما لا يتوهم وجوده ، ولا يتصور حصوله ، تأكيد له وتحقيق لليأس من وجوده (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) أي ومثل ما جزينا هؤلاء نجزي سائر المجرمين المكذبين بآيات الله تعالى (لَهُمْ) أي لهؤلاء (مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ) أي فراش ومضجع (وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) مثل قوله : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ) والمعنى : أن النار محيطة بهم من أعلاهم وأسفلهم (وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) قال ابن عباس : يريد الذين أشركوا به واتخذوا من دونه إلها.
٤٢ ـ ٤٣ ـ لما تقدّم وعيد الكفار بالخلود في النيران اتبع ذلك بالوعد للمؤمنين بالخلود في الجنان فقال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي صدّقوا بآيات الله ، واعترفوا بها ، ولم يستكبروا عنها (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي ما أوجبه الله عليهم ، أو ندبهم إليه (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي لا نلزم نفسا إلّا قدر طاقتها وما دونها ، لأن الوسع دون الطاقة ، ومعناه : لا نكلف أحدا منهم من الطاعات إلا ما يقدر عليه وفي وسعه ، وان من استحق النار فمن نفسه أتي (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) مقيمون (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) أي وأخرجنا ما في قلوبهم من حقد وحسد وعداوة في الجنة لا يحسد بعضهم بعضا وإن رآه أرفع درجة منه (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) أي يجري ماء الأنهار من تحت أبنيتهم وأشجارهم (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) أي هدانا