وأخرني في الأجل ولا تمتني (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي يبعث الخلق من قبورهم للجزاء وقيل معناه : أنظرني في الجزاء إلى يوم القيامة ، فكأنه خاف أن يعاجله الله سبحانه بالعقوبة. (قالَ) أي قال الله سبحانه لإبليس (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) أي من المؤخرين (قالَ) إبليس لما لعنه الله وطرده ، ثم سأله الانظار فأجابه الله تعالى إلى شيء منه (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) أي فبالذي أغويتني قيل في معناه أقوال (أحدها) ان معناه : بما خيبتني من رحمتك وجنتك (لَأَقْعُدَنَ) أي لأجلسن (لَهُمْ) أي لأولاد آدم (صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) أي على طريقك المستوي وهو طريق الحق ، لأصدنهم عنه بالاغواء حتى أصرفهم إلى طريق الباطل كيدا لهم وعداوة (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) روي عن أبي جعفر (ع) قال : ثم لآتينهم من بين أيديهم معناه : أهون عليهم أمر الآخرة ، ومن خلفهم : آمرهم بجميع الأموال والبخل بها عن الحقوق لتبقى لورثتهم ، وعن أيمانهم أفسد عليهم أمر دينهم بتزيين الضلالة ، وتحسين الشبهة ، وعن شمائلهم : بتحبيب اللذات إليهم ، وتغليب الشهوات على قلوبهم (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) هذا اخبار من إبليس أن الله تعالى لا يجد أكثر خلقه شاكرين.
١٨ ـ ٢١ ـ ثم بين سبحانه ما فعله بإبليس من الإهانة والإذلال ، وما أتاه آدم من الإكرام والإجلال بقوله : (قالَ اخْرُجْ مِنْها) أي من الجنة ، أو من السماء ، أو من المنزلة الرفيعة (مَذْؤُماً) أي مذموما (مَدْحُوراً) أي مطرودا (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) أي من بني آدم معناه : من أطاعك واقتدى بك من بني آدم (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ) أي منك ومن ذريتك وكفار بني آدم (أَجْمَعِينَ) وإنما جمعهم في الخطاب لأنه لا يكون في جهنم إلّا إبليس وحزبه من الشياطين ، وكفار الإنس وضلالهم الذين انقادوا له ، وتركوا أمر الله لاتباعه (وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) هذا أمر بالسكنى (فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما) أباح سبحانه لهما أن يأكلا من حيث شاءا وأين شاءا وما شاءا (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) بالأكل (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) أي من الباخسين نفوسهم الثواب العظيم (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ) أي لآدم وحواء (لِيُبْدِيَ لَهُما) أي ليظهر لهما (ما وُورِيَ) أي ستر (عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) أي عوراتهما (وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ) أي عن أكل هذه الشجرة (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) والمعنى : أنه أوهمهما أنهما إذا أكلا من هذه الشجرة تغيرت صورتهما إلى صورة الملك ، وأن الله تعالى قد حكم بذلك ، وبأن لا تبيد حياتهما إذا أكلا منها (وَقاسَمَهُما) أي وحلف لهما بالله تعالى حتى خدعهما (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) أي المخلصين النصيحة في دعائكما إلى التناول من هذه الشجرة ، ولذلك تأكدت الشبهة عندهما إذ ظنا أن أحدا لا يقدم على اليمين بالله تعالى إلّا صادقا ، فدعاهما ذلك إلى تناول الشجرة.
٢٢ ـ ٢٥ ـ (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) أي أوقعهما في المكروه بأن غرهما بيمينه (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ) أي ابتدأا بالأكل ، ونالا منها شيئا يسيرا ، ولذلك أتى بلفظة ذاقا عبارة عن أنهما تناولا شيئا قليلا من ثمرة الشجرة على خوف شديد ، لأن الذوق ابتداء الأكل والشرب ليعرف الطعم. وفي هذا دلالة على ان ذوق الشيء المحرم يوجب الذم فكيف استيفاؤه وقضاء الوطر منه؟ (بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) أي ظهرت لهما عوراتهما قال الكلبي : فلما أكلا منها تهافت لباسهما عنهما فأبصر كل واحد منهما سوأة صاحبه فاستحيا (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) أي أخذا يجعلان ورقة على ورقة ليسترا سوآتهما