برسالاتكم (وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ) من الدين (مُرِيبٍ) متهم ، أي يوقعنا في الريب بكم أنكم تطلبون الرئاسة ، وتفترون الكذب (قالَتْ رُسُلُهُمْ) حينئذ لهم (أَفِي اللهِ شَكٌ) مع قيام الأدلة على وحدانيته وصفاته (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي خالقهما ومنشئهما لا يقدر على ذلك غيره ، فوجب أن يعبد وحده ولا يشرك به من لا يقدر على اختراع الأجسام (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) أي يدعوكم إلى الإيمان به لينفعكم لا ليضركم وقال : (مِنْ ذُنُوبِكُمْ) بمعنى : ليغفر لكم بعض ذنوبكم لأنه يغفر ما دون الشرك ولا يغفر الشرك ، وقال الجبائي دخلت من للتبعيض ووضع البعض موضع الجميع توسعا (وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي يؤخركم إلى الوقت الذي ضربه الله لكم أن يميتكم فيه ولا يؤاخذكم بعاجل العقاب (قالُوا) أي قال لهم قومهم (إِنْ أَنْتُمْ) أي ما أنتم (إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) أي خلق مثلنا (تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا) أي تمنعونا (عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) من الأصنام والأوثان (فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي بحجة واضحة على صحة ما تدعونه ، وبطلان ما نحن فيه ، وإنما قالوا ذلك لأنهم اعتقدوا أن جميع ما جاءت به الرسل من المعجزات ليست بمعجزة ولا دلالة ، وقيل : انهم طلبوا معجزات مقترحات سوى ما ظهرت فيما بينهم ؛ وفي هذه الآية دلالة على أنه سبحانه لا يريد الكفر والشرك ، وإنما يريد الخير والإيمان ، وإنما بعث الرسل إلى الكفار رحمة وفضلا وانعاما عليهم ليؤمنوا ، فإنه قال : (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ).
١١ ـ ١٢ ـ ثم حكى سبحانه جواب الرسل للكفار فقال : (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) في الصورة والهيئة ولسنا ملائكة (وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) أي ينعم عليهم بالنبوة ، وينبئهم بالمعجزة ، فلقد منّ الله علينا واصطفانا وبعثنا أنبياء (وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ) أي بحجة على صحة دعوانا (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي بأمره وإطلاقه لنا في ذلك (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) المصدقون به وبأنبيائه (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ) معناه : وأيّ شيء لنا إذا لم نتوكل على الله ولم نفوض أمورنا إليه؟ وعلى هذا تكون ما للإستفهام وقيل ان معناه : ولا وجه لنا ولا عذر لنا في أن لا نتوكل على الله ولا نثق به فتكون ما للنفي وإذا كانت للإستفهام فمعناه النفي أيضا (وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا) أي عرفنا طريق التوكل وقيل معناه : هدانا إلى سبيل الإيمان ، ودلنا على معرفته ، ووفقنا لتوجيه العبادة إليه ، وأن لا نشرك به شيئا ، وضمن لنا على ذلك جزيل الثواب والمراد انا إذا كنا مهتدين فلا ينبغي لنا أن لا نتوكل على الله (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا) فإنه تعالى يكفينا أمركم ، وينصرنا عليكم (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) وإنما قصّ هذا وأمثاله في القرآن على نبينا ليقتدي بمن كان قبله من المرسلين في تحمل أذى المشركين ، والصبر على ذلك والتوكل ، وروى الواقدي بإسناده عن أبي مريم عن أبي الدرداء قال قال رسول الله (ص): إذا آذاك البراغيث فخذ قدحا من الماء فاقرأ عليه سبع مرات : (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ) الآية ، وقل : فإن كنتم آمنتم بالله فكفوا شركم وأذاكم عنا ثم ترش الماء حول فراشك فإنك تبيت تلك الليلة آمنا من شرها.
١٣ ـ ١٨ ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا) أي من بلادنا (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) أي إلّا أن ترجعوا إلى أدياننا ومذاهبنا التي نحن عليها (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) أي فأوحى الله إلى رسله لما ضاقت صدورهم بما لقوا من قومهم : إنا نهلك هؤلاء الظالمين