عنا ذنوبنا ، وهو أمر بالإستغفار (وَادْخُلُوا الْبابَ) يعني الباب الذي أمروا بدخوله ، وقيل : هو باب حطة من بيت المقدس (سُجَّداً) معناه : ادخلوا خاضعين متواضعين (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ) أي نصفح ونعف عن ذنوبكم (سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) كقوله تعالى : (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) أي فخالف الذين عصوا ، والذين فعلوا ما لم يكن لهم أن يفعلوه ، وغير ما أمروا به ، فقالوا غير ذلك ، فقيل انهم قالوا : حطا سمقانا ، ومعناه : حنطه حمراء فيها شعيرة ، وكان قصدهم في ذلك الاستهزاء ومخالفة الأمر (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) أي عذابا من السماء (بِما كانُوا يَظْلِمُونَ) أي بكونهم فاسقين ، كقوله : (ذلِكَ بِما عَصَوْا) ، أي بعصيانهم ، وقال ابن زيد : اهلكوا بالطاعون فمات منهم في ساعة واحدة أربعة وعشرون الفا.
١٦٣ ـ ١٦٤ ثم ابتدأ سبحانه بخبر آخر من اخبار بني إسرائيل فقال مخاطبا لنبيه : (وَسْئَلْهُمْ) يا محمد ، وهو سؤال توبيخ وتقريع لا سؤال استفهام (عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) أي مجاورة البحر ، وعلى شاطىء البحر ، وهي ايلة (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) أي يظلمون فيه بصيد السمك ، ويتجاوزون الحد في أمر السبت (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً) أي ظاهرة على وجه الماء وقيل : متتابعة (وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ) أي ويوم لا يكون السبت كانت تغوص في الماء. واختلف في أنهم كيف يصيدونها فقيل : انهم القوا الشبكة في الماء يوم السبت ، حتى كان يقع فيها السمك ثم كانوا لا يخرجون الشبكة من الماء إلى يوم الأحد ، وهذا تسبب محظور ، وفي رواية عكرمة عن ابن عباس : اتخذوا الحياض فكانوا يسوقون الحيتان اليها ولا يمكنها الخروج منها فيأخذونها يوم الأحد ، وقيل : انهم اصطادوها وتناولوها باليد في يوم السبت عن الحسن (كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ) أي مثل ذلك الاختبار الشديد نختبرهم (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) أي بفسقهم وعصيانهم (وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ) أي جماعة (مِنْهُمْ) أي من بني إسرائيل الذين لم يصطادوا وكانوا ثلاثة فرق : فرقة قانصة ، وفرقة ساكتة ، وفرقة واعظة : فقال : الساكتون للواعظين والناهين (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ) أي يهلكهم الله ، ولم يقولوا ذلك كراهية لوعظهم ولكن لأياسهم عن ان يقبل أولئك القوم الوعظ ، فإن الأمر بالمعروف إنما يجب عند عدم الأياس من القبول (أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) في الآخرة (قالُوا) أي قال الواعظون في جوابهم (مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) معناه : موعظتنا إياهم معذرة إلى الله ، وتأدية لفرضه في النهي عن المنكر لئلا يقول لنا : لم لم تعظوهم (وَلَعَلَّهُمْ) بالوعظ (يَتَّقُونَ) ويرجعون.
١٦٥ ـ ١٦٦ (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) أي فلما ترك أهل هذه القرية ما ذكرهم الواعظون به ولم ينتهوا عن ارتكاب المعصية بصيد السمك (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) أي خلصنا الذين ينهون عن المعصية (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) أي شديد (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) أي بفسقهم ، وذلك العذاب لحقهم قبل أن مسخوا قردة ولم يذكر حال الفرقة الثالثة هل كانت من الناجية أم من الهالكة (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ) أي عن ترك ما نهوا عنه ، يعني لم يتركوا ما نهوا عنه ، وتمردوا في الفساد والجرأة على معصيته (قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً) أي جعلناهم قردة (خاسِئِينَ) مبعدين مطرودين ؛ وإنما ذكركن ليدل على أنه سبحانه لا يمتنع عليه شيء ، وأجاز الزجاج أن يكون قيل لهم ذلك بكلام سمعوه فيكون ذلك أبلغ في الآية النازلة بهم.