الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ) يعني بني إسرائيل ، فإن القبط كانوا يستضعفونهم ، فأورثهم الله بأن مكّنهم ، وحكم لهم بالتصرف ، وأباح لهم ذلك بعد إهلاك فرعون وقومه القبط ، فكأنهم ورثوا منهم (مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) التي كانوا فيها ، يريد به ملك فرعون من أدناه إلى أقصاه وقيل : هي أرض الشام ومصر (الَّتِي بارَكْنا فِيها) باخراج الزروع والثمار ، وسائر صنوف النبات والأشجار ، إلى غير ذلك من العيون والأنهار وضروب المنافع (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) معناه : صح كلام ربك بانجاز الوعد باهلاك عدوهم ، واستخلافهم في الأرض وقيل : إن الكلمة الحسنى قوله سبحانه : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) ، إلى قوله : يحذرون (بِما صَبَرُوا) على أذى فرعون وقومه ، وتكليفهم إياهم ما لا يطيقونه من الاستعباد والأعمال الشاقة (وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ) أي أهلكنا ما كانوا يبنون من الأبنية والقصور والديار (وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) من الأشجار ومن الأعناب والثمار.
١٣٨ ـ ١٤٠ ـ ثم أخبر الله سبحانه عن أحوال بني إسرائيل فقال : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ) أي قطعنا بهم (الْبَحْرَ) يعني النيل ـ نهر مصر ـ بأن جعلنا لهم فيه طرقا يابسة حتى عبروا ، ثم اغرقنا فرعون وقومه فيه (فَأَتَوْا) أي فمروا (عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) أي يقبلون عليها ، ملازمين لها ، مقيمين عندها يعبدونها كان أولئك القوم من لخم وكانوا نزولا بالرقة (قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) أي انصب لنا شيئا نعبده كما لهم أوثان يعبدونها وفي هذا دلالة على عظيم جهلهم بعد ما رأوا الآيات المترادفة والمعجزات (قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) هذا حكاية عما أجابهم به موسى (ع) ، أي تجهلون ربكم وعظمته وصفاته ، ولو عرفتموه حق معرفته لما قلتم هذا القول وقيل : تجهلون نعمة ربكم فيما صنع بكم عن ابن عباس (إِنَّ هؤُلاءِ) يعني القوم الذين عبدوا الأصنام (مُتَبَّرٌ) أي مدمّر مهلك (ما هُمْ فِيهِ) من عبادة الأصنام (وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي باطل عملهم لا يجدي عليهم نفعا ، ولا يدفع عنهم ضرا (قالَ) يعني قال موسى لقومه بعد ازرائه على الأصنام وعلى من كان يعبدها (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ) أي ألتمس وأطلب غير الله لكم (إِلهاً) أي معبودا تعبدونه سوى الله (وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) أي على عالمي زمانكم وقيل معناه : وهو سبحانه خصكم بفضائل لم يعطها أحدا غيركم : وهو أن أرسل إليكم رجلين منكم لتكونوا أقرب إلى القبول ، وخلصكم من أذى فرعون وقومه على أعجب وجه ، واورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم.
١٤١ ـ ثم خاطب الله سبحانه بني إسرائيل الذين كانوا في زمن النبي (ص) فقال لهم على وجه الإمتنان عليهم بما انعمه على أسلافهم : (وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ) أي واذكروا إذ خلصناكم (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ) أي يولونكم إكراها ، ويحملونكم اذلالا (سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ) أي يكثرون قتل ابنائكم (وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) أي يسبقونهن للخدمة والمهنة (وَفِي ذلِكُمْ) أي وفي ما فعل بكم من النجاة (بَلاءٌ) أي نعمة (مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) قدرها ، وقيل في تخيلته إياكم وقوم فرعون ابتلاء عظيم.
١٤٢ ـ ثم بيّن سبحانه تمام نعمته على بني إسرائيل فقال : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ) ليصوم فيها ويتقرب بالعبادة ، وأتممناها ثم أتمّت بعشر إلى وقت المناجاة وقيل : هي العشرة التي نزلت