تفسيره في سورة البقرة (قالَ) إبليس (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) وهو استفهام بمعنى الإنكار ، أي كيف أسجد له ، وأنا أفضل منه ، وأصلي أشرف من أصله؟ وفي هذه دلالة على ان إبليس فهم من ذلك تفضيل آدم على الملائكة ، ولولا ذلك لما كان لامتناعه من السجود وجه ، وإنما جاز أن يأمرهم سبحانه بالسجود لآدم ولم يجز أن يأمرهم بالعبادة له ، لأن السجود يترتب في التعظيم حسب ما يراد به ، وليس كذلك العبادة التي هي خضوع بالقلب ليس فوقه خضوع ، (قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) أي قال إبليس : أرأيت يا رب هذا الذي فضلته عليّ يعني آدم (ع) (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) أي لئن أخرت أجل موتي (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) أي لأغوين ذريته واقودنّهم معي إلى المعاصي كما تقاد الدابة بحنكها اذا شدّ فيها حبل تجر به إلا القليل الذين تعصمهم وهم المخلصون (قالَ) الله سبحانه له على وجه الاستهانة والاستصغار (اذْهَبْ) يا إبليس (فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) أي من ذرية آدم (ع) ، واقتفى أثرك ، وقبل منك (فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) أي موفرا كاملا لا نقصان فيه عن الاستحقاق (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) أي واستزل من استطعت منهم أضلهم بدعائك ووسوستك من قولهم : صوّت فلان بفلان إذا دعاه في صورة الأمر عن ابن عباس ، ويكون كما يقول الإنسان لمن يهدده أجهد جهدك فسترى ما ينزل بك ، وإنما جاء التهديد في صورة الأمر لأنه بمنزلة أن يؤمر الغير باهانة نفسه وقيل : بصوتك : أي بالغناء والمزامير والملاهي (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) أي أجمع عليهم ما قدرت عليه من مكايدك وأتباعك وذريتك وأعوانك (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) وهو كل مال أصيب من حرام ، وأخذ بغير حقه ، وكل ولد زنا ، عن الحسن وابن عباس ومجاهد ، وقيل : ان مشاركتهم في الأموال انه أمرهم أن يجعلوها سائبة وبحيرة وغير ذلك ، وفي الأولاد انهم هوّدوهم ونصّروهم ومجّسوهم ، عن قتادة ، وقيل : ان كل مال حرام فله فيه شرك ، عن الكلبي ، وقيل : ان المراد بالأول تسميتهم عبد شمس وعبد الحرث ونحوهما ، وقيل : هو قتل المؤودة من أولادهم (وَعِدْهُمْ) أي ومنهم البقاء وطول الأمل ، وانهم لا يبعثون (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) هذا اخبار من الله عزوجل ان مواعيد الشيطان تكون غرورا : أي يزين لهم الخطأ انه صواب (إِنَّ عِبادِي) يعني الذين يطيعونني ، اضافهم إلى نفسه تشريفا لهم (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) أي قوة نفاذ لأنهم يعملون ان مواعيدك باطلة فلا يغترون بها (وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) أي حافظا لعباده من شرّك.
٦٦ ـ ٦٩ ـ لمّا تقدّم ذكر الشيطان وذكر المشركين وعبدة الأوثان ، احتجّ عليهم سبحانه بدلائل التوحيد والإيمان فقال (رَبُّكُمُ) أي خالقكم ومدبركم (الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ) أي يجري لكم السفن (فِي الْبَحْرِ) بما خلق من الرياح ، وبأن جعل الماء على وجه يمكن جري السفن فيه (لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) أي لتطلبوا من فضل الله تعالى بركوب السفن على وجه الماء فيما فيه صلاح دنياكم من التجارة (إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) حيث أنعم عليكم بهذه النعم (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ) أي الشدة (فِي الْبَحْرِ) بسكون الرياح واحتباس السفن ، أو باضطراب الأمواج وغير ذلك من أهوال البحر (ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) أي ذهب عنكم ذكر كل معبود إلّا الله فلا ترجون هناك النجاة إلّا من عنده ، فتدعونه ولا تدعون غيره (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ) من البحر (إِلَى الْبَرِّ) وأمنتم الغرق (أَعْرَضْتُمْ) عن الإيمان به وعن طاعته كفرانا للنعمة (وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) أي كثير الكفران (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ) معناه : ان فعلكم هذا فعل من يتوهم انه إذا صدر إلى البر أمن المكاره حتى أعرضتم عن شكر الله وطاعته ، فهل أمنتم أن يخسف بكم؟ أي يغيبكم ويذهبكم في جانب البر