الشدة في أنفسهم ، وبالضرّاء : ما نالهم في أموالهم (ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ) أي رفعنا السيئة ، ووضعنا الحسنة مكانها ، والسيئة : الشدة ، والحسنة : الرخاء. وسميت سيئة لأنها تسوء صاحبها (حَتَّى عَفَوْا) أي كثروا وقيل : اعرضوا عن الشكر (وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) أي قال بعضهم لبعض : هكذا عادة الدهر فكونوا على ما انتم عليه كما كان آباؤكم كذلك ، فلم ينتقلوا عن حالهم فتنقلوا (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) أي فجأة عبرة لمن بعدهم (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي لم يعلموا أنّ العذاب نازل بهم إلّا بعد حلوله ، وحقيقة المعنى في الآية : أنه سبحانه يدبّر خلقه الذين يعصونه بأن يأخذهم تارة بالشدة ، وتارة بالرخاء ، فإذا افسدوا على الأمرين جميعا أخذهم فجأة ليكون ذلك أعظم في الحسرة ، وأبلغ في العقوبة.
٩٦ ـ ٩٩ ـ ثمّ بيّن سبحانه أن كل من أهلكه من الأمم المتقدم ذكرهم إنما أتوا ذلك من قبل نفوسهم فقال (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى) التي أهلكناها بسبب جحودهم وعنادهم (آمَنُوا) وصدّقوا رسلنا (وَاتَّقَوْا) الشرك والمعاصي (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ) أي خيرات نامية (مِنَ السَّماءِ) بإنزال المطر (وَ) من (الْأَرْضِ) بإخراج النبات والثمار كما وعد نوح بذلك أمته فقال : (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) الآيات (وَلكِنْ كَذَّبُوا) الرسل (فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من المعاصي والمخالفة وتكذيب الرسل (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) المكذبون لك يا محمد (أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا) أي عذابنا (بَياتاً) ليلا (وَهُمْ نائِمُونَ) في فرشهم ومنازلهم كما أتى المكذبين قبلهم (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى) أي عذابنا نهارا عند ارتفاع الشمس (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) أي وهم في غير ما ينفعهم ، أو يعود عليهم بنفع ، فإنّ من اشتغل بدنياه ، واعرض عن آخرته فهو كاللاعب (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ) أي أفبعد هذا كله أمنوا عذاب الله أن يأتيهم من حيث لا يشعرون ، وسمي العذاب مكرا لنزوله بهم من حيث لا يعلمون ، كما أن المكر ينزل بالممكور به من جهة الماكرمن حيث لا يعلمه وقيل : إن مكر الله استدراجه إياهم بالصحة والسلامة ، وطول العمر ، وتظاهر النعمة (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) لا يأمن عقاب الله جهلا بحكمته إلّا الخاسرون ، ومعنى الآية : الإبانة عما يجب أن يكون عليه المكلف من الخوف لعقاب الله تعالى ليسارع إلى طاعته.
١٠٠ ـ ١٠٢ ـ ثم أنكر سبحانه عليهم تركهم الاعتبار بمن تقدمهم من الأمم فقال : (أَوَلَمْ يَهْدِ) وهو استفهام يراد به التقرير ، أي أو لم يبيّن الله؟ وقيل معناه : أو لم يهد ما تلونا من أنباء القرى (لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها) معناه : للذين خلفوا في الأرض من بعد أهلها الذين اهلكهم الله بتكذيبهم للرسل (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) يعني : أو لم نبيّن انا لو شئنا اهلكناهم بعقاب ذنوبهم كما اهلكنا الأمم الماضية قبلهم؟ (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ) قد ذكرنا معنى الطبع والختم في أوائل سورة البقرة (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) الوعظ ولا يقبلونه. ثم اخبر سبحانه عن أهل القرى التي ذكرها ، وقصّ خبرها فقال : (تِلْكَ الْقُرى) والمخاطبة للنبي (ص) (نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها) لتتفكر فيها ، وتخبر قومك بها ليتذكروا ويعتبروا ، ويحذروا عن الإصرار على مثل حال أولئك المغترين بطول الإمهال في النعم السابغة ، والمنن المتظاهرة (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي الدلالات والحجج (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) معناه : فما اهلكناهم إلّا وقد كان في معلومنا أنهم لا يؤمنون أبدا (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ) قيل : إن الله سبحانه شبّه الكفر بالصدأ لأنه