(أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) أي أو هل أمنتم أن يرسل عليكم حجارة تحصبون بها : أي ترمون بها والمعنى : انه سبحانه قادر على إهلاككم في البر ، كما انه قادر على إغراقكم في البحر (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً) أي حافظا يحفظكم عن عذاب الله ، ودافعا يدفعه عنكم (أَمْ أَمِنْتُمْ) أي أم هل أمنتم (أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى) أي في البحر مرة أخرى بأن يجعل لكم حاجة ، أو يحدث لكم رغبة أو رهبة فترجعون إلى البحر مرة أخرى (فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ) أي فإذا ركبتم البحر أرسل عليكم ريحا شديدة كاسرة للسفينة (فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ) من نعم الله (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) أي تابعا يتبع اهلاككم للمطالبة بدمائكم ويقول : لم فعلت هذا بهم؟
٧٠ ـ ٧٢ ـ لمّا تقدّم قول إبليس هذا الذي كرّمت عليّ ، ذكر سبحانه بعد ذلك تكرمة لبني آدم بأنواع الإكرام ، وفنون الإنعام فقال (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) أي فضلناهم ، وأجريت الصفة على جميعهم من أجل من كان فيهم على هذه الصفة كقوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) ، وقيل : إنما عمّهم بالتكرمة مع ان فيهم الكافر المهان لأن المعنى : أكرمناهم بالنعم الدنيوية كالصور الحسنة ، وتسخير الأشياء لهم وبعث الرسل إليهم (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) في البر على الإبل والخيل والبغال والحمير ، وفي البحر على السفن (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي من الثمار والفواكه والأشياء الطيبة وسائر الملاذ (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) المعنى : انا فضلناهم على من خلقنا وهم كثير (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) معناه : بنبيهم ويكون المعنى على هذا أن ينادى يوم القيامة فيقال : هاتوا متبعي إبراهيم ، هاتوا متبعي موسى ، هاتوا متبعي محمد ، فيقوم أهل الحق الذين اتبعوا الأنبياء فيأخذون كتبهم بأيمانهم ، ثم يقال هاتوا متبعي الشيطان ، وهاتوا متبعي رؤوساء الضلالة ، وعن علي (ع) أن الأئمة إمام هدى وإمام ضلالة (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) أي فمن أعطي كتاب عمله الذي فيه طاعاته وثواب أعماله بيمينه (فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ) فرحين مسرورين لما يرون فيه من الجزاء والثواب (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) أي لا ينقصون ثواب أعمالهم مقدار فتيل ، وهو المفتول الذي في شق النواة جعل الله إعطاء الكتاب باليمين علامة الرضا والخلاص ، وإعطاء الكتاب باليسار وراء الظهر علامة السخط والهلاك (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) معناه : من كان في الدنيا أعمى القلب فإنه في الآخرة أعمى العين ، يحشر عقوبة له على ضلالته في الدنيا وهذا كقوله : (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) ويكون التقدير : وهو أضل سبيلا لأنه لا يجد طريقا الى الهداية.
٧٣ ـ ٧٥ ـ ثم حكى الله سبحانه عن الكفار فقال (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) المعنى : ان المشركين الذين تقدّم ذكرهم في هذه السورة همّوا وقاربوا أن يزلّوك ويصرفوك عن القرآن الذي أوحيناه إليك (لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ) أي لتخترع علينا غير ما أوحيناه إليك والمعنى : لتحل محل المفتري لأنك تخبر انك لا تنطق الا عن وحي ، فاذا اتبعت أهواءهم ، فكنت كالمفتري (وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) معناه : وانك لو أجبتهم إلى ما طلبوا منك لتولوك وأظهروا خلتك : أي صداقتك لموافقتك معهم (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) أي ثبتنا قلبك على الحق ، والرشد بالنبوة ، والعصمة والمعجزات (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) أي ركونا قليلا والمعنى : لقد قاربت ان تسكن إليهم بعض السكون ، وأن تميل إليهم ميلا قليلا فتعطيهم بعض ما سألوك يقال : كدت أفعل كذا ، أي قاربت أن أفعله ، وقد صحّ عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : وضع عن أمّتي ما حدّثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به ، قال إبن عباس : يريد حيث سكت عن جوابهم (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) أي لو فعلت ذلك لعذبناك ضعف عذاب الحياة ، وضعف عذاب الممات.