علم المؤمنون تفاصيل ما أعد الله لهم في الجنة لأزدادوا سرورا وحرصا على التمسك بالدين (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) هذا وصف لهؤلاء المهاجرين ، أي صبروا في طاعة الله على أذى المشركين ، وفوّضوا أمورهم إلى الله تعالى ثقة به ، ثمّ خاطب سبحانه نبيه (ص) فقال : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) إلى الأمم الماضية (إِلَّا رِجالاً) من البشر (نُوحِي إِلَيْهِمْ) أي أوحينا إليهم كما أوحينا إليك ، وأرسلناهم إلى اممهم كما أرسلناك إلى أمتك ، وذلك أن مشركي مكة كانوا ينكرون أن يرسل إليهم بشر مثلهم ، فبيّن سبحانه أنه لا يصلح أن يكون الرسل إلى الناس إلّا من يشاهدونه ويخاطبونه ويفهمونه عنه ، وانه لا وجه لاقتراحهم إرسال الملك (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) ان المعني بذلك أهل العلم بأخبار من مضى من الأمم سواء أكانوا مؤمنين أو كفارا ، وسمى العلم ذكرا لأن الذكر منعقد بالعلم ، فإن الذكر هو ضد السهو ، فهو بمنزلة السبب المؤدي إلى العلم في ذكر الدليل ، فحسن أن يقع موقعه وينبىء عن معناه (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) يخاطب مشركي مكة وذلك أنهم كانوا يصدقون اليهود والنصارى فيما كانوا يخبرون به من كتبهم لأنهم كانوا يكذبون النبي (ص) (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) التقدير : وما أرسلنا بالبينات والزبر ، أي بالبراهين والكتب إلّا رجالا نوحي إليهم (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) يعني القرآن (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) فيه من الأحكام والشرائع ، والدلائل على توحيد الله (وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) في ذلك فيعلموا أنه حق ؛ وفي هذا دلالة على أن الله تعالى أراد من جميعهم التفكر والنظر المؤدي إلى المعرفة.
٤٥ ـ ٥٠ ـ ثم أوعد سبحانه المشركين فقال (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ) فاللفظ لفظ الإستفهام والمراد به الإنكار ومعناه : أي شيء أمن هؤلاء القوم الدين دبّروا التدابير السيئة في توهين أمر النبي (ص) واطفاء نور الدين ، وإيذاء المؤمنين من (أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ) من تحتهم عقوبة لهم كما خسف بقارون (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) قال إبن عباس : يعني يوم بدر ، وذلك انهم أهلكوا يوم بدر وما كانوا يقدرون ذلك ولا يتوقعونه (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ) يريد في تقلبهم في كل الأحوال ليلا ونهارا (فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي فليسوا بفائتين ، وما يريده الله بهم من الهلاك لا يمتنع عليه (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ) قال أكثر المفسرين معناه : على تنقص اما بقتل أو بموت ، أي ينقص من أطرافهم ونواحيهم فيأخذ منهم الأول فالأول حتى يأتي على جميعهم (فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) بكم ، ومن رأفته ورحمته بكم انه أمهلكم لتتوبوا وترجعوا ولم يعاجلكم بالعقوبة ثم بيّن سبحانه دلائل قدرته فقال (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) معناه : ألم ينظر هؤلاء الكفار الذين جحدوا وحدانية الله تعالى ، وكذبوا نبيّه (ص) ، إلى ما خلق الله من شيء له ظل من شجر وجبل وبناء وجسم قائم (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ) أي يتميل ظلاله عن جانب اليمين وجانب الشمال ، ومعنى سجود الظل لله دورانه من جانب إلى جانب لأنه مستسلم منقاد مطيع للتسخير (وَهُمْ داخِرُونَ) أي أذلة صاغرون قد نبّه الله بهذا على ان جميع الاشياء تخضع له بما فيها من الدلالة على الحاجة إلى واضعها ومدبرها بما لولاه لبطلت ولم يكن لها قوام طرفة عين ، فهي في ذلك كالساجد من العباد بفعله ، الخاضع بذلة ، ثم قال سبحانه (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ) أي يسجد لله جميع ما في السماوات وجميع ما في الأرض (وَالْمَلائِكَةُ) أي وتسجد له الملائكة وتخضع له بالعبادة ، وإنما خصّ الملائكة بالذكر تشريفا لهم ، ولأن اسم الدابة يقع على ما يدب ويمشي وهم أولو الأجنحة ، فصفة الطيران أغلب عليهم (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) عن عبادة الله تعالى ، وهذا من صفة الملائكة لأنه