٥٨ ـ ٦٢ ـ ثم أخبر سبحانه أنه لما تمكّن يوسف بمصر ، وأصاب الناس ما أصابهم من القحط وقصدوا مصر ، نزل بآل يعقوب ما نزل بالناس ، فجمع يعقوب بنيه وقال لهم : بلغني أنه يباع الطعام بمصر وأن صاحبه رجل صالح فاذهبوا إليه فإنه سيحسن إليكم إن شاء الله ، فتجهزوا وساروا حتى وردوا مصر فدخلوا على يوسف فذلك قوله : (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) أي جاؤوا ليمتاروا من مصر كما امتار غيرهم ، ودخلوا عليه وهم عشرة وأمسك ابن يامين أخا يوسف لأمه ، فعرفهم يوسف وأنكروه لأنهم رأوه ملكا جالسا على السرير ، عليه ثياب الملوك ، ولم يكن يخطر ببالهم أنه يصير إلى تلك الحالة ، وكان يوسف ينتظر قدومهم عليه فكان أثبت لهم ، فلما نظر إليهم يوسف وكلّموه بالعبرانية قال لهم : من أنتم؟ وما أمركم؟ (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) يعني حمل لكل رجل منهم بعيرا بعدتهم (قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) يعني ابن يامين (أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ) أي لا أبخس الناس شيئا. وأتم لهم كيلهم (وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) أي المضيفين ، مأخوذ من النزل وهو الطعام (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي) أي ليس لكم عندي طعام (وَلا تَقْرَبُونِ) أي ولا تقربوا داري وبلادي ، خلط عليهالسلام الوعد بالوعيد (قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ) أي نطلبه ونسأله أن يرسله معنا (وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) ما أمرتنا به ، وكان يوسف أمر ترجمانا يعرف العبرانية أن يكلمهم وكان لا يكلمهم بنفسه ليشبه عليهم ، فإنهم لو عرفوه ربما كانوا يهيمون في الأرض حياء من أبيهم فيتركون خدمته ، وكان في معرفتهم إياه مفسدة (وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ) أي قال يوسف لعبيده وغلمانه الذين يكيلون الطعام : اجعلوا ثمن طعامهم وما كانوا جاؤوا به في أوعيتهم (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ) أي لعلهم يعرفون متاعهم إذا رجعوا إلى أهلهم مرة أخرى ، ورأى لؤما أخذ ثمن الطعام من أبيه وإخوته مع حاجتهم إليه فردّه عليهم من حيث لا يعلمون تفضلا وكرما وقيل إنما لم يعرفهم بنفسه لأنهم لو عرفوه ربما لم يرجعوا إليه ولم يحملوا أخاه إليه ، والأول هو الوجه الصحيح.
٦٣ ـ ٦٦ ـ (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) قيل : إنهم لما دخلوا على يعقوب وسلّموا عليه سلاما ضعيفا فقال لهم : يا بني مالكم تسلمون سلاما ضعيفا؟ فقالوا : يا أبانا إنا جئناك من عند أعظم الناس ملكا ، ولم ير الناس مثله حكما وعلما وخشوعا وسكينة ووقارا ، ولئن كان لك شبيه فإنه يشبهك ، ولكنا أهل بيت خلقنا للبلاء ، إنه اتهمنا وزعم أنه لا يصدقنا حتى ترسل معنا بابن يامين برسالة منك إليه ليخبره ما الذي أحزنك ، وعن سرعة الشيب إليك ، وذهاب بصرك وقوله : (مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) معناه : منع منا فيما يستقبل ان لم نأته بأخينا لقوله : (فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا) ابن يامين (نَكْتَلْ) أي نأخذ الطعام بالكيل إن أرسلته اكتلنا وإلا فمنعنا الكيل (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) من أن يصيبه سوء ومكروه (قالَ) يعقوب (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ) أي لا آمنكم على ابن يامين في الذهاب به إلا كأمني على يوسف ضمنتم لي حفظه ثم ضيعتموه أو أهلكتموه أو غيبتموه عنّي (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً) أي حفظ الله خير من حفظكم (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) يرحم ضعفي وكبر سني ويردّه عليّ ، وورد في الخبر أن الله سبحانه قال : فبعزتي لأردّنهما إليك من بعد ما توكلت عليّ (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ) يعني أوعية الطعام (وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي) أي ما نطلب في منع