معناه : أفمن هو قائم بالتدبير على كل نفس ، وحافظ على كل نفس أعمالها يجازيها كمن ليس بهذه الصفات من الاصنام التي لا تنفع ولا تضر (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) يعني أن هؤلاء الكفار جعلوا لله شركاء في العبادة من الأصنام التي لا تقدر على شيء مما ذكرنا (قُلْ) يا محمد (سَمُّوهُمْ) أي سمّوهم بما يستحقّون من الصفات وإضافة الأفعال إليهم إن كانوا شركاء لله كما يوصف الله بالخالق والرازق والمحيي والمميت ، ويعود المعنى : إلى أن الصنم لو كان إلها لتصور منه أن يخلق الرزق فيحسن حينئذ أن يسمى بالخالق والرازق (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ) هذا استفهام منقطع مما قبله ، أي أتخبرون الله بشريك له في الأرض وهو لا يعلمه (أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) أي أم تقولون مجازا من القول ، وباطلا لا حقيقة له ثم بيّن سبحانه بطلان قولهم فقال (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ) أي دع ذكر ما كنا فيه ، زين الشيطان لهم الكفر لأن مكرهم بالرسول كفر منهم (وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) أي وصدوا الناس عن الحق وعن دين الله (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) سبق معناه في مواضع (لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بالقتل والسبي والأسر (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ) أي أغلظ وأبلغ في الشدة على النفس لدوامه وكثرته (وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) أي ما لهم من دافع يدفع عنهم عذاب الله تعالى.
٣٥ ـ ٣٧ ـ لمّا تقدّم ذكر ما أعدّ الله للكافرين ، عقّبه سبحانه بذكر ما أعدّه للمؤمنين فقال : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) أي شبهها ، عن مقاتل ، وقيل : صفتها وصورتها ، عن الحسن (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ) يعني أن ثمارها لا تنقطع كثمار الدنيا ، وظلّها لا يزول ولا تنسخه الشمس (وَظِلُّها) أيضا دائم لا يكون مرة شمسا ومرة ظلا كما يكون في الدنيا (تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا) فالطريق إليها التقوى (وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ) أي وعاقبة أمر الكفار النار. ولما تقدم ذكر الوعد والوعيد أخبر سبحانه عن المؤمنين والكافرين فقال : (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) يريد أصحاب النبي (ص) الذين آمنوا به وصدّقوه أعطوا القرآن وفرحوا بإنزاله (وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) يعني اليهود والنصارى والمجوس أنكروا بعض معانيه وما يخالف أحكامهم عن الحسن وقتادة ومجاهد ، وقيل : الذين آتيناهم الكتاب هم الذين آمنوا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه فرحوا بالقرآن لأنهم يصدّقون به ، والأحزاب بقية أهل الكتاب وسائر المشركين ، لأن عبد الله بن سلام وأصحابه أساءهم قلة ذكر الرحمن في القرآن فأنزل الله : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) ففرحوا بذلك ، وكفر المشركون بالرحمن ؛ ويريد بالأحزاب الذين تحزّبوا على رسول الله صلىاللهعليهوآله بالمعاداة (قُلْ) يا محمد (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ) أي أمرت أن أوجه عبادتي إلى الله ولا أشرك به في عبادته أحدا (إِلَيْهِ أَدْعُوا) يعني إلى الإقرار بتوحيده وصفاته ، وتوجيه العبادة إليه وحده (وَإِلَيْهِ مَآبِ) أي إليه مرجعي ومصيري ، أي أرجع وأصير إلى حيث لا يملك الضر والنفع إلّا هو وحده ، فإنه لا يملك يوم القيامة الأمر أحدا من عباده كما ملكهم في الدنيا (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا) أي كما أنزلنا الكتب إلى من تقدّم من الأنبياء بلسانهم أنزلنا إليك حكمة عربية ، أي جارية على مذاهب العرب في كلامهم ، يعني القرآن ، فالحكم هاهنا بمعنى الحكمة كما في قوله : وآتيناه الحكم والنبوة ، إنما سماه حكما لما فيه من الأحكام في بيان الحلال والحرام ، وسماه عربيا لأنه أتى به نبي عربي (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) خطاب للنبي (ص) والمراد به الأمة ، أي لئن وافقت وطلبت أهواء الذين كفروا ، والأهواء : جمع الهوى وهو ميل الطباع إلى شيء بالشهوة (بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) بالله تعالى ، لأن ما آتيناك من الدلالات والمعجزات موجب للعلم الذي يزول معه الشبهات (ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ