الفعل فعلكم بعد ذهابي إلى ميقات ربي (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ) أي ميعاد ربكم فلم تصبروا له (وَأَلْقَى الْأَلْواحَ) معناه : أنه القاها لما دخله من شدة الغضب والجزع على عبادة قومه العجل (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ) يعني هارون (يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) انه (ع) أراد أن يظهر ما اعتراه من الغضب على قومه لإكباره منهم ما صاروا إليه من الكفر والارتداد ، فصدر ذلك منه للتألم بضلالهم ، وإعلامهم عظم الحال عنده لينزجروا عن مثله في مستقبل الأحوال (قالَ) يعني هارون (ابْنَ أُمَ) كان أخاه لأبيه وأمه إلّا أنّه إنما نسبه إلى الأم لأن ذكر الأم أبلغ في الاستعطاف (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي) يعني ان القوم الذين تركتني بين أظهرهم اتخذوني ضعيفا (وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) أي هموا أن يقتلوني لشدة إنكاري عليهم (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ) أي لا تسرهم بأن تفعل ما يوهم ظاهره خلاف التعظيم (وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي لا تجعلني مع عبدة العجل ومن جملتهم في إظهار الغضب والموجدة علي (قالَ) موسى حين تبين له ما نبهه هارون عليه من خوف التهمة ، ودخول الشبهة على القوم (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي) وهذا على وجه الانقطاع إلى الله سبحانه ، والتقرب إليه ، لا انه كان وقع منه أو من أخيه قبيح كبير أو صغير يحتاج أن يستغفر منه ، فإن الدليل قد دل على أن الأنبياء لا يجوز أن يقع منهم شيء من القبيح (وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ) أي نعمتك وجنتك (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ظاهر المعنى. وإنما يذكر في آخر الدعاء لبيان شدة الرجاء من جهته ، فإن الابتداء بالنعمة يوجب الاتمام ، وسعة الرحمة تقتضي الزيادة فيها ، فيقال : أرحم الراحمين لاستدعاء الرحمة من جهته كما يقال : أجود الأجودين لاستدعاء الجود من قبله.
١٥٢ ـ ١٥٤ ـ ثم أوعدهم سبحانه فقال : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) أي اتخذوه إلها من دون الله (سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ) أي سيلحقهم على عبادتهم إياه عقوبة (مِنْ رَبِّهِمْ) وإنما ذكر الغضب مع الوعيد بالنار لأنه ابلغ في الزجر عن القبيح (وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) يعني صغر النفس والمهانة قال الزجاج : والذلة ما أمروا به من قتل أنفسهم (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) أي مثل هذا الوعيد والعذاب والغضب نجزي الكاذبين والمتخرصين ، وإنما سمّوا مفترين لأنهم عبدوا عجلا وقالوا إنه إله فكانوا كاذبين ، ثم عطف سبحانه على ذلك بقوله : (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ) أي الشرك والمعاصي (ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا) أي واستأنفوا عمل الإيمان (إِنَّ رَبَّكَ) يا محمد (مِنْ بَعْدِها) أي من بعد التوبة وقيل : من بعد السيئات (لَغَفُورٌ) لذنوبهم (رَحِيمٌ) بهم (وَلَمَّا سَكَتَ) أي سكن (عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) معناه : زالت فورة غضبه ولم يزل الغضب لأن توبتهم لم تخلص (أَخَذَ الْأَلْواحَ) التي كانت فيها التوراة (وَفِي نُسْخَتِها) أي وفيما نسخ فيها وكتب (هُدىً) أي دلالة وبيان لما يحتاج إليه من أمور الدين (وَرَحْمَةٌ) أي نعمة ومنفعة (لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) أي يخشون ربهم فلا يعصونه ، ويعملون بما فيها.
١٥٥ ـ ثم أخبر تعالى عن اختيار موسى من قومه عند خروجه إلى ميقات ربه فقال : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا) اختارهم حين خرج إلى الميقات ليكلّمه الله سبحانه بحضرتهم ، ويعطيه التوراة ، فيكونوا شهداء له عند بني إسرائيل لما لم يثقوا بخبره أن الله سبحانه يكلمه ، فلما حضروا الميقات وسمعوا كلامه تعالى سألوا الرؤية فأصابتهم الصاعقة ، ثم أحياهم الله تعالى ، فابتدأ سبحانه بحديث الميقات (فَلَمَّا) سمعوا كلام الله قالوا : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) (أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) وهي الرعدة والحركة الشديدة حتى