بقائك (إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) معناه : انهم لفي غفلتهم يتحيرون ويترددون فلا يبصرون طريق الرشد.
٧٣ ـ ٨٤ ـ ثم أخبر سبحانه عن كيفية عذاب قوم لوط فقال (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ) أي أخذهم الصوت الهائل في حال شروق الشمس (فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) مضى تفسير في سورة هود (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) معناه : ان فيما سبق ذكره من إهلاك قوم لوط لدلالات للمتفكرين المعتبرين عن قتادة وابن زيد ، وقيل : للمتفرسين عن مجاهد ؛ وقد صحّ عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ، وقال : إن الله عبادا يعرفون الناس بالتوسّم ، ثم قرأ هذه الآية ، وروي عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال نحن المتوسمون ، والسبيل فينا مقيم ، والسبيل طريق الجنة ، ذكرها علي بن إبراهيم في تفسيره (وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) معناه : ان مدينة لوط لبطريق مسلوك يسلكها الناس في حوائجهم فينظرون إلى آثارها ، ويعتبرون بها لأن الآثار التي يستدل بها مقيمة ثابتة بها وهي مدينة سدوم بين المدينة والشام (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) أي عبرة ودلالة (لِلْمُؤْمِنِينَ) وخص المؤمنين لأنهم هم الذين انتفعوا بها (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ) وأصحاب الأيكة هم أهل الشجر الذين أرسل إليهم شعيب (ع) ، وأرسل إلى أهل مدين فأهلكوا بالصيحة ، وأما أصحاب الأيكة فأهلكوا بالظلة التي احترقوا بنارها ومعنى الآية : أنه كان أصحاب الأيكة لظالمين في تكذيب رسولهم ، وكانوا أصحاب غياض فعاقبهم الله تعالى بالحر سبعة أيام ، ثم أنشأ سبحانه سحابة فاستظلوا بها يلتمسون الروح فيها فلما اجتمعوا تحتها أرسل منها صاعقة فأحرقتهم جميعا (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) أي من قوم شعيب ومن قوم لوط ، أي عذبناهم بما انتقمناه منهم ، والانتقام : هو المجازاة على جناية سابقة (وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) معناه : وإن مدينتي قوم لوط وأصحاب الأيكة بطريق يؤم ويتبع ويهتدى به وسمي الطريق إماما لأن الإنسان يؤمّه ثم أخبر سبحانه عن إهلاك قوم صالح فقال : (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) والحجر : إسم البلد الذي كان فيه ثمود ، وإنما سموا أصحاب الحجر لأنهم كانوا سكانه كما يسمى الأعراب الذين يسكنون البوادي أصحاب الصحاري لأنهم كانوا يسكنونها وإنما قال تعالى : المرسلين لأن في تكذيب صالح تكذيب المرسلين ، لأنه كان يدعوهم إلى ما دعا إليه المرسلون ، وإلى الإيمان بالمرسلين ، فكان في تكذيب أحدهم تكذيب الجميع. وقيل بعث الله إليهم رسلا منهم صالح (وَآتَيْناهُمْ آياتِنا) أي آتينا أصحاب الحجر الحجج والمعجزات والدلالات الدالة على صدق الأنبياء (فَكانُوا عَنْها) أي عن الآيات (مُعْرِضِينَ) أعرضوا عن التفكر فيها ، والإستدلال بها (وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ) أي وكان قوم صالح في القوة بحيث ينحتون من الجبال بيوتا يسكنونها ، وكانوا آمنين من خرابها وسقوطها عليهم (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ) أي فأهلكوا بالصيحة في وقت دخولهم في الصباح (فَما أَغْنى عَنْهُمْ) أي فما دفع عنهم العذاب ، ولم يغنهم (ما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي يجمعون من المال والأولاد ، وأنواع الملاذ.
٨٥ ـ ٩١ ـ (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) معناه : وما خلقناهما عبثا ، بل لما اقتضته الحكمة : وهي انا قد تعبدنا أهلها ، ثم نجازيهم بما عملوا (وَإِنَّ السَّاعَةَ) وهي يوم القيامة (لَآتِيَةٌ) أي جائية بلا شك بعذابهم (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) أي فاعرض يا محمد عن مجازاة المشركين وعن مجاوبتهم ، واعف عنهم عفوا جميلا وعن علي (ع) إن الصفح الجميل : هو العفو من غير عتاب (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ) للأشياء (الْعَلِيمُ) بتدبير خلقه فلا يخفى