والمعنى : لأذقناك عذاب الدنيا وعذاب الآخرة قال إبن عباس : رسول الله صلىاللهعليهوآله معصوم ولكن هذا تخويف لأمته لئلا يركن أحد من المؤمنين إلى أحد من المشركين في شيء من أحكام الله وشرائعه (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) أي ناصر ينصرك لما نزلت هذه الآية قال النبيّ صلىاللهعليهوآله اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا.
٧٦ ـ ٧٧ ـ ثم بيّن سبحانه ان الكفار لما يئسوا من اجابته إياهم فيما التمسوه منه كادوا له فقالوا (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها) معناه : وان المشركين ارادوا ان يزعجوك من أرض مكة بالإخراج (وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً) معناه : انهم لو أخرجوك لكانوا لا يلبثون بعد خروجك إلّا زمانا قليلا ، ومدة يسيرة قيل : وهي المدة بين خروج النبي صلّى عليه وآله من مكة وقتلهم يوم بدر (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا) معناه : انهم لو أخرجوك لاستأصلناهم بعد خروجك كسنتنا فيمن قبلك ، لم نرسل قبلك رسولا فأخرجه قومه إلّا أهلكوا (وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) أي تبديلا معناه : ما يتهيأ لأحد أن يقلب سنة الله ويبطلها ، والسنة هي العادة الجارية.
٧٨ ـ ٨١ ـ ثم أمر سبحانه بعد إقامة البينات ، وذكر الوعد والوعيد بإقامة الصّلاة ، فقال مخاطبا النبي (ص) والمراد هو وغيره (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) دلوك الشمس : زوالها ، والآية جامعة للصلوات الخمس ، فصلاتا دلوك الشمس : الظهر والعصر ، وصلاتا غسق الليل : هما المغرب والعشاء الآخرة ، والمراد بقرآن الفجر صلاة الفجر ، فهذه خمس صلوات وغسق الليل : هو أول بدء الليل (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) كلهم قالوا معناه : ان صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار ، وقال النبي (ص): يجتمع ملائكة الليل والنهار في صلاة الفجر (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ) خطاب للنبي (ص) ، أي فصل بالقرآن عن ابن عباس ، ولا يكون التهجد إلّا بعد النوم (نافِلَةً لَكَ) أي زيادة لك على الفرائض ، وذلك ان صلاة الليل كانت فريضة على النبي (ص) مكتوبة عليه ولم تكتب على غيره ، وكانت فضيلة لغيره (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) عسى من الله واجبة ، والمقام بمعنى البعث ، أي يبعثك يوم القيامة بعثا أنت محمد فيه وقد أجمع المفسرون على أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة (وَقُلْ) يا محمد (رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) التقدير : ادخلني إدخال صدق ، واخرجني إخراج صدق ومدخل الصدق ما تحمد عاقبته في الدنيا والدين ، وانما اضاف الادخال والإخراج إليه سبحانه وان كانا من فعل العبد لأنه سأله اللطف المقرّب إلى خير الدين والدنيا (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) أي اجعل لي عزا امتنع به ممن يحاول صدّي عن إقامة فرائضك ، وقوة تنصرني بها على من عاداني فيها (وَقُلْ) يا محمد (جاءَ الْحَقُ) أي ظهر الحق وهو الإسلام والدين (وَزَهَقَ الْباطِلُ) أي وبطل الباطل وهو الشرك (إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) أي مضمحلا ذاهبا هالكا لا ثبات له.
٨٢ ـ ٨٣ ـ ثم أخبر سبحانه عن القرآن فقال (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) ووجه الشفاء فيه من وجوه منها : ما فيه من البيان الذي يزيل عمى الجهل وحيرة الشك ، ومنها : ما فيه من النظم والتأليف والفصاحة البالغة حدّ الإعجاز الذي يدل على صدق النبي (ص) فهو من هذه الجهة شفاء من الجهل والشك والعمى في الدين ، ويكون شفاء للقلوب ، ومنها : انه يتبرك به وبقراءته ، ويستعان به على دفع العلل والأسقام ، ويدفع الله به كثيرا من المكاره ، (وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ :) أي نعمة لهم ، وخصهم بذلك لأنهم المنتفعون به (وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) ومعناه : انهم لا يزدادون عنده إلا خسارا يخسرون الثواب ، ويستحقون العقاب لكفرهم به ، وتركهم التدبر له ، والتفكر فيه ، وهذا كقوله : (فَلَمْ يَزِدْهُمْ