رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) لمن استحقه (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) مثل الناقة والعصا عن ابن عباس قال الزجاج : طلبوا غير الآيات التي أتى بها فالتمسوا مثل آيات موسى وعيسى ، فأعلم الله أن لكل قوم هاد والمعنى : أنه سبحانه بيّن سوء طريقتهم في اقتراح الآيات كما في قوله : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) ، إلى قوله : (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) ، وكما قالوا : اجعل الصفا لنا ذهبا حتى نأخذ منه ما نشاء (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) عن ابن عباس قال : لما نزلت الآية قال رسول الله أنا المندر وعليّ الهادي من بعدي يا علي بك يهتدي المهتدون وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل بالإسناد عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير عن أبيه عن حكم بن جبير عن أبي بردة الأسلمي قال دعا رسول الله (ص) بالطهور وعنده علي بن أبي طالب فأخذ رسول الله بيد علي بعد ما تطهر فألزمها بصدره ثم قال إنما أنت منذر ثم ردّها إلى صدر علي ثم قال ولكل قوم هاد ثم قال إنك منارة الأنام ، وغاية الهدى ، وأمير القرى ، وأشهد على ذلك أنك كذلك.
٨ ـ ١١ ـ (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) أي يعلم ما في بطن كل حامل من ذكر وأنثى ، تام أو غير تام ، ويعلم لونه وصفاته (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) أي يعلم الوقت الذي تنقصه الأرحام من المدة التي هي تسعة أشهر (وَما تَزْدادُ) على ذلك (وَكُلُّ شَيْءٍ) أي وكل شيء من الرزق والأجل ، أو ما سبق ذكره من الحمل (عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) أي بقدر واحد لا يجاوزه ولا بقصر عنه على ما توجبه الحكمة (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي عالم بما غاب عن حسّ العباد ، وبما يشاهده العباد لا يغيب عنه شيء (الْكَبِيرُ) وهو السيد الملك القادر على جميع الأشياء وقيل : هو الذي كل شيء دونه لكمال صفاته ولكونه عالما لذاته قادرا لذاته حيا لذاته وقيل هو الذي كبر عن شبه المخلوقين (الْمُتَعالِ) وهو الذي علا كل شيء بقدرته فلا يساويه قادر (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) معناه : سواء عند الله وفي علمه من أسرّ القول في نفسه وأخفاه ، ومن أعلنه وأبداه ولم يضمره في نفسه (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) أي ومن هو مستتر متوار بالليل ، ومن هو سالك في سربه : أي في مذهبه ماض في حوائجه بالنهار معناه : انه يرى ما أخفته ظلمة الليل ، كما يرى ما أظهره ضوء النهار ، بخلاف المخلوقين الذين يخفي عليهم الليل أحوال أهله (لَهُ مُعَقِّباتٌ) الضمير الذي في له يعود إلى اسم الله تعالى وهو عالم الغيب والشهادة. والمعقبات : الملائكة يتعاقبون ، تعقب ملائكة الليل ملائكة النهار ، وملائكة النهار ملائكة الليل ، وهم الحفظة يحفظون على العبد عمله (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) يحفظون ما تقدم من عمله وما تأخر إلى أن يموت فيكتبونه وقيل : من أمر الله : أي بأمر الله (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ) من النعمة ، والحال الجميلة (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) من الطاعة فيعصون ربهم ، ويظلم بعضهم بعضا (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً) أي عذابا ، وإنما سمّاه سوءا لأنه يسوء (فَلا مَرَدَّ لَهُ) أي لا مدفع له وقيل معناه : إذا أراد الله بقوم بلاء من مرض وسقم فلا مردّ لبلائه (وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) يلي أمرهم ، ويمنع العذاب عنهم.
١٢ ـ ١٥ ـ ثم أخبر سبحانه عن كمال قدرته فقال (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) أي خوفا من الصواعق التي يكون معها ، وطمعا في الغيث الذي يزيل القحط (وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) أي ويخلق السحاب الثقال بالماء يرفعها من الأرض فيجريها في الجو (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) تسبيح الرعد : دلالته على تنزيه الله تعالى ، ووجوب حمده ، فكأنه هو المسبّح (وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) أي ويسبّح الملائكة من خيفة الله تعالى وخشيته (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ)