في التوبيخ من أن يذكر دفعة واحدة ، والمراد بالاثنين : الأهلي والوحشي من الضأن والمعز والبقر ، والمراد بالإثنين من الإبل : العراب والبخاتي ، وهو المروي عن أبي عبد الله (قُلْ) يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يحرمون ما أحلّ الله تعالى (آلذَّكَرَيْنِ) من الضأن والمعز (حَرَّمَ) الله (أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) منهما (أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) أي أم حرّم ما اشتمل عليه رحم الأنثى من الضأن ، والأنثى من المعز ، وإنما ذكر الله سبحانه هذا على وجه الاحتجاج عليهم بيّن به فريتهم وكذبهم على الله تعالى فيما ادّعوا : من أن ما في بطون الأنعام حلال للذكور ، وحرام على الإناث ، وغير ذلك مما حرّموه ، فإنهم لو قالوا : حرّم الذكرين لزمهم أن يكون كل ذكر حراما ، ولو قالوا : حرّم الأنثيين لزمهم أن يكون كل انثى حراما ، ولو قالوا : حرّم ما اشتمل عليه رحم الأنثى من الضأن والمعز ، لزمهم تحريم الذكور والإناث ، فإن أرحام الإناث تشتمل على الذكور والإناث ، فيلزمهم بزعمهم تحريم هذا الجنس صغارا وكبارا ، وذكورا وإناثا ولم يكونوا يفعلون ذلك ، بل كانوا يخصّون بالتحريم بعضا دون بعض ، فقد لزمتهم الحجة ثم قال : (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) معناه : أخبروني بعلم عما ذكرتموه من تحريم ما حرمتموه ، وتحليل ما حللتموه إن كنتم صادقين في ذلك (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) هذا تفصيل لتمام الأزواج الثمانية (قُلْ) يا محمد (آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ) الله منهما (أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) قد تقدّم معناه (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) أي حضورا (إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا) أي أمركم به ، وحرّمه عليكم حتى تضيفوه إليه (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) أي من أظلم لنفسه ممن كذب على الله وأضاف إليه تحريم ما لم يحرمه ، وتحليل ما لم يحلله (لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي يعمل عمل القاصد إلى اضلالهم من أجل دعائه إياهم إلى ما لا يثق بصحته مما لا يأمن من أن يكون فيه هلاكهم (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) إلى الثواب لأنهم مستحقون العقاب الدائم بكفرهم وضلالهم.
١٤٥ ـ (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الكفار (لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَ) أي أوحاه الله تعالى إليّ شيئا (مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) أي على آكل يأكله (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) أي مصبوبا ، وإنما خصّ المصبوب بالذكر لأن ما يختلط باللحم منه مما لا يمكن تخليصه منه معفو عنه مباح (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ) إنما خصّ الأشياء الثلاثة هنا بذكر التحريم تعظيما لحرمتها ، وبيّن تحريم ما عداها في مواضع أخر : إما بنص القرآن ، وإما بوحي غير القرآن (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي نجس ، والرجس : اسم لكل شيء مستقذر منفور عنه (أَوْ فِسْقاً) عطف على قوله أو لحم خنزير (أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) أي ذكر عليه اسم الأصنام والأوثان ولم يذكر اسم الله عليه ، (فَمَنِ اضْطُرَّ) إلى تناول شيء مما ذكرناه (غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) قد سبق معناه في سورة البقرة (فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) حكم بالرخصة كما حكم بالمغفرة والرحمة.
١٤٦ ـ ١٤٧ ـ ثم بيّن سبحانه ما حرّمه على اليهود فقال (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) أي على اليهود في أيام موسى (حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) هو كل ما ليس بمنفرج الأصابع كالإبل والنعام والأوز والبط (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) أخبر سبحانه أنه كان حرّم عليهم شحوم البقر والغنم من الثرب ، وشحم الكلى ، وغير ذلك مما في أجوافها ، واستثنى من ذلك فقال : (إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) من الشحم وهو اللحم السمين فإنه لم يحرم عليهم (أَوِ الْحَوايا) أي ما حملته الحوايا من الشحم فإنه غير محرم عليهم أيضا ، والحوايا : هي المباعر (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) ذلك أيضا مستثنى من جملة ما