عباده وعدا حقا وصدقا (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي يبتدىء الخلق ابتداء ثم يعيدهم بعد موتهم (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي ليؤتيهم جزاء أعمالهم (بِالْقِسْطِ) أي بالعدل لا ينقص من أجورهم شيئا (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ) أي ماء حار قد انتهى حرّه في النار (وَعَذابٌ أَلِيمٌ) وجيع (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) أي جزاء على كفرهم.
٥ ـ ٦ ـ ثم زاد سبحانه في الإحتجاج للتوحيد فقال (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً) بالنهار (وَالْقَمَرَ نُوراً) بالليل ، والضياء أبلغ في كشف الظلمات من النور ، وفيه صفة زائدة على النور (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) أي وقدّر القمر منازل معلومة (لِتَعْلَمُوا) به وبمنازله (عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) وأول الشهر وآخره ، وانقضاء كل سنة وكميتها ، وجعل الشمس والقمر آيتين من آيات الله تعالى وفيهما أعظم الدلالات على وحدانيته تعالى من وجوه كثيرة منها. خلقهما وخلق الضياء والنور فيهما ، ودورانهما وقربهما وبعدهما ، ومشارقهما ومغاربهما ، وكسوفهما ، وفي بثّ الشمس الشعاع في العالم ، وتأثيرها في الحرّ والبرد ، واخراج النبات وطبخ الثمار ، وفي تمام القمر وسط الشهر ونقصانه في الطرفين ليتميز أول الشهر وآخره من الوسط ، كل واحد من ذلك نعمة عظيمة من الله سبحانه على خلقه ولذلك قال (ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ) لأن في ذلك منافع للخلق في دينهم ودنياهم ، ودلائل على وحدانية الله وقدرته ، وكونه عالما لم يزل ولا يزال (يُفَصِّلُ الْآياتِ) أي يشرحها ويبيّنها آية آية (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فيعطون كل آية حظها من التأمل والتدبر وقيل : إن المعنى في قوله : (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) : التثنية ، أي قدّر الشمس والقمر منازل غير أنه وحّده للإيجاز اكتفاء بالمعلوم ، فإن الشمس تقطع المنازل في كل سنة ، والقمر يقطعها في كل شهر فإنما يتم الحساب وتعلم السنون والشتاء والصيف بمقاديرهما ومجاريهما في تداويرهما (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي فعله فيهما على ما تقتضيه الحكمة في السماوات من الأفلاك والكواكب السيارة وغير السيارة ، وفي الأرض من الحيوان والنبات والجماد وأنواع الأرزاق والنعم (لَآياتٍ) أي حججا ودلالات على وحدانية الله (لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) معاصي الله ويخافون عقابه ، وخصّهم بالذكر لاختصاصهم بالانتفاع بها.
٧ ـ ١٠ ـ ثم أنه سبحانه أوعد الغافلين عن الأدلة المتقدمة المكذبين بالمعاد فقال (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) أي لقاء جزائنا ومعناه : لا يطمعون في ثوابنا ، واضافه إلى نفسه تعظيما لله ، ويحتمل أن يكون المعنى : لا يخافون عقابنا ، كما يكون الرجاء بمعنى الخوف.
جعل سبحانه ملاقاة ما لا يقدر عليه إلا هو ملاقاة له كما جعل اتيان ملائكته اتيانا له في قوله هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله تفخيما للأمر (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) أي متّعوا بها واختاروها فلا يعملون إلّا لها ، ولا يجتهدون إلّا لأجلها مع سرعة فنائها ، ولا يرجون ما وراءها (وَاطْمَأَنُّوا بِها) أي وسكنوا إلى الدنيا بأنفسهم ، وركنوا إليها بقلوبهم (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ) أي ذاهبون عن تأملها فلا يعتبرون بها (أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ) أي مستقرّهم النار (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من المعاصي ثم وعد سبحانه المؤمنين بعد ما أوعد الكافرين فقال (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدّقوا بالله ورسله (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي وأضافوا إلى ذلك الأعمال الصالحة (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) إلى الجنة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) أي تجري بين أيديهم الأنهار وهم يرونها من علو كما قال سبحانه (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) ومعلوم أنه لم يجعل السري الذي هو الجدول تحتها وهي قاعدة عليه وإنما أراد إنه جعله بين يديها وقيل معناه من تحت بساتينهم وأسرّتهم وقصورهم عن الجبائي وقوله بإيمانهم يعني به جزاء على إيمانهم (دَعْواهُمْ فِيها) أي دعاء المؤمنين في