من يستعمل الصدق في أقواله وأفعاله وصاحبوهم ورافقوهم وقد وصف الله الصادقين في سورة البقرة بقوله : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) إلى قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) ، فأمر سبحانه بالإقتداء بهؤلاء الصادقين المتقين وقيل : المراد بالصادقين هم الذين ذكرهم الله في كتابه وهو قوله : رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه : يعني حمزة بن عبد المطلب ، وجعفر بن أبي طالب ومنهم من ينتظر : يعني علي بن أبي طالب (ع).
١٢٠ ـ ١٢١ ـ لما قصّ الله سبحانه قصة الذين تأخروا عن الخروج مع النبي (ص) ، إلى غزوة تبوك ، ثم اعتذارهم عن ذلك وتوبتهم منه ، وأنه قبل توبة من ندم على ما كان منه لرأفته بهم ورحمته عليهم ، ذكر عقيب ذلك على وجه التوبيخ لهم ، والإزراء على ما كانوا فعلوه فقال (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ) أي ما كان يجوز وما كان يحل لأهل مدينة الرسول ومن حولهم من سكان البوادي أن يتخلفوا عنه في غزاة تبوك وغيرها بغير عذر (وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ) معناه : ولا يرضوا لأنفسهم بالخفض والدعة ورسول الله في الحرّ والمشقة يقال : رغبت بنفسي عن هذا الأمر : أي ترفعت عنه ، بل عليهم أن يجعلوا أنفسهم وقاية للنبي (ص) (ذلِكَ) أي ذلك النهي لهم والزجر عن التخلف (بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ) أي عطش (وَلا نَصَبٌ) أي ولا تعب في أبدانهم (وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي ولا مجاعة وهي شدة الجوع في طاعة الله (وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ) أي لا يضعون أقدامهم موضعا يغيظ الكفار (وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً) أي ولا يصيبون من المشركين أمرا من قتل أو جراحة أو مال أو أمر يغمّهم ويغيظهم (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ) وطاعة رفيعة (إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أي الذين يفعلون الأفعال الحسنة التي يستحق بها المدح والثواب. وفي هذا تحريض على الجهاد وأعمال الخير (وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) أي ولا ينفقون في الجهاد ولا في غيره من سبل الخير والمعروف نفقة قليلة ولا كثيرة يريدون بذلك اعزاز دين الله ، ونفع المسلمين ، والتقرب بذلك إلى الله تعالى (وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً) أي ولا يجاوزون واديا (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) ثواب ذلك (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي يكتب طاعاتهم ليجزيهم عليها بقدر استحقاقهم ويزيدهم من فضله حتى يصير الثواب أحسن وأكثر من عملهم.
١٢٢ ـ ١٢٥ ـ لما تقدّم الترغيب في الجهاد بأبلغ أسباب الترغيب ، وتأنيب من تخلف عنه بأبلغ أسباب التأنيب ، بيّن في هذه الآية موضع الرخصة في تأخر من تأخر عنه فقال سبحانه (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) وهذا نفي معناه النهي ، أي ليس للمؤمنين أن ينفروا ويخرجوا إلى الجهاد بأجمعهم ويتركوا النبي (ص) فريدا وحيدا (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) معناه : فهلا خرج إلى الغزو من كل قبيلة جماعة ويبقى مع النبي (ص) جماعة ليتفقهوا في الدين ، يعني الفرقة القاعدين يتعلمون القرآن والسنن والفرائض والأحكام ، فإذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم قرآن وتعلمه القاعدون قالوا لهم إذا رجعوا إليهم : إن الله قد أنزل بعدكم على نبيكم قرآنا وقد تعلمناه ، فتتعلمه السرايا ، فذلك قوله (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) أي وليعلموهم القرآن ، ويخوّفوهم به إذا رجعوا إليهم (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) فلا يعملون بخلافه عن ابن عباس في رواية الوالبي وقتادة والضحاك ، وقال الباقر عليهالسلام كان هذا : حين كثر الناس ، فأمرهم الله أن تنفر طائفة ، وتقيم طائفة ، وأن يكون الغزو نوبا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) أي قاتلوا من قرب منكم من الكفار الأقرب منهم