(وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ) أي ما يؤمرون به (لَكانَ) ذلك (خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) أي بصيرة في أمر الدين (وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ) أي لأعطيناهم (مِنْ لَدُنَّا) أي من عندنا (أَجْراً عَظِيماً) لا يبلغ أحد كنهه ، ولا يعرف منتهاه ، ولا يدرك قصواه ، وإنما ذكر من لدنا تأكيدا بأنه لا يقدر عليه غيره (وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) أي ولثبتناهم مع ذلك على الطريق المستقيم.
٦٩ ـ ٧٠ ـ ثم بيّن سبحانه حال المطيعين فقال : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ) بالانقياد لأمره ونهيه (وَالرَّسُولَ) باتباع شريعته ، والرضا بحكمه (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) في الجنة. ثم بيّن المنعم عليهم فقال : (مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ) يريد انه يستمتع برؤية النبيين والصديقين وزيارتهم ، والحضور معهم (وَالشُّهَداءِ) يعني المقتولين في الجهاد ، وانما سمي الشهيد شهيدا لقيامه بشهادة الحق على جهة الإخلاص ، واقراره به ، ودعائه إليه حتى قتل (وَالصَّالِحِينَ) معناه : صلحاء المؤمنين الذين لم تبلغ درجتهم درجة النبيين والصديقين والشهداء ، والصالح : الفاعل للصلاح ، الملازم له ، المتمسك به (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) معناه : من يكن هؤلاء رفقاء له فأحسن بهم من رفيق (ذلِكَ) اشارة إلى أن الكون مع النبيين والصديقين (الْفَضْلُ مِنَ اللهِ) تفضّل به على من أطاعه (وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) بالعصاة والمطيعين ، والمنافقين والمخلصين ، ومن يصلح لمرافقة هؤلاء ومن لا يصلح ، لأنه يعلم خائنة الأعين.
٧١ ـ ثم أمر الله سبحانه المؤمنين بمجاهدة الكفار ، والتأهب لقتالهم فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) قيل فيه قولان (أحدهما) ان معناه : احذروا عدوكم بأخذ السلاح كما يقال للإنسان : خذ حذرك ، أي احذر (الثاني) معناه : خذوا أسلحتكم ، سمى الأسلحة حذرا لأنها الآلة التي بها يتقي الحذر ، وهو المروي عن أبي جعفر (فَانْفِرُوا) إلى قتال عدوكم ، أي اخرجوا إلى الجهاد (ثُباتٍ) ومعناه : اخرجوا فرقة بعد فرقة ، فرقة في جهة ، وفرقة أخرى في جهة أخرى (أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) أي مجتمعين في جهة واحدة إذا أوجب الرأي ذلك ، وروي عن أبي جعفر (ع): ان المراد بالثبات السرايا ، وبالجميع العسكر.
٧٢ ـ ٧٣ ـ لمّا حثّ الله على الجهاد بيّن حال المتخلفين عنه فقال : (وَإِنَّ مِنْكُمْ) خاطب المؤمنين ، ثم أضاف المنافقين إليهم فقال : (لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) أي هم منكم في الحال الظاهرة أو في حكم الشريعة من حقن الدم والمناكحة والموارثة ويبطىء أي من يتأخر عن الخروج مع النبي (ص) (فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) فيه من قتل أو هزيمة قال قول الشامت المسرور بتخلفه (قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) أي شاهدا حاضرا في القتال ، فكان يصيبني ما أصابهم (وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ) أي فتح أو غنيمة (لَيَقُولَنَ) يتحسر ويقول : يا ليتني كنت معهم (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) أي لا يعاضدكم على قتال عدوكم ، ولا يراعي الذمام الذي بينكم (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ) من الغنيمة (فَوْزاً عَظِيماً) أي أصيب غنيمة عظيمة وآخذ حظا وافرا منها.
٧٤ ـ لما أخبر الله سبحانه في الآية الأولى أن قوما يتأخرون عن القتال أو يبطّئون المؤمنين عنه حثّ في هذه الآية على القتال فقال : (فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) هذا أمر من الله وظاهر أمره يقتضي الوجوب ، أي فليجاهد في سبيل الله ، أي في طريق دين الله (الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) أي