أخذها تأهبا للقتال (وَأَمْتِعَتِكُمْ) أي وعن أمتعتكم التي بها بلاغكم في اسفاركم فتسهون عنها (فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً) أي يحملون عليكم حملة واحدة وأنتم متشاغلون بصلاتكم فيصيبون منكم غرة فيقتلونكم ، ويستبيحون عسكركم وما معكم ، والمعنى : لا تتشاغلوا بأجمعكم بالصّلاة عند مواقفة العدو فيتمكن عدوكم من أنفسكم وأسلحتكم ، ولكن أقيموها على ما أمرتم به (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ) معناه : لا حرج عليكم ولا إثم ولا ضيق ان نالكم أذى من مطر وأنتم مواقفوا عدوكم (أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى) يعني اعلّاء أو جرحى (أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ) إذا ضعفتم عن حملها ، لكن اذا وضعتموها فاحترسوا منهم (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) لئلا يميلوا عليكم وأنتم غافلون (إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) مذلا يبقون فيها أبدا. وفي الآية دلالة على صدق النبي وصحة نبوته ، وذلك انها نزلت والنبي بعسفان ، والمشركون بضجنان ، فتواقفوا فصلى النبي بعسفان ، والمشركون بضجنان ، فتواقفوا فصلى النبي وأصحابه صلاة الظهر بتمام الركوع والسجود ، فهم المشركون بأن يغيروا عليهم فقال بعضهم : ان لهم صلاة أخرى أحب إليهم من هذه ، يعنون صلاة العصر ، فأنزل الله عليه هذه الآية ، فصلى بهم العصر صلاة الخوف.
١٠٣ ـ (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ) معناه : فإذا فرغتم من صلاتكم أيها المؤمنون وأنتم مواقفو عدوكم (فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً) أي في حال قيامكم وقعودكم (وَعَلى جُنُوبِكُمْ) أي مضطجعين أي ادعو الله في هذه الأحوال لعلّه ينصركم على عدوكم ، ويظفركم بهم وقيل معناه : فإذا أردتم الصلاة فصلوا قياما إذا كنتم أصحّاء ، وقعودا اذا كنتم مرضى لا تقدرون على القيام ، وعلى جنوبكم اذا لم تقدروا على القعود (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) معناه : فإذا استقررتم في أوطانكم ، وأقمتم في أمصاركم ، فأتموا الصلاة التي اذن لكم في قصرها (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) معناه : ان الصلاة كانت على المؤمنين واجبة مفروضة.
١٠٤ ـ عاد الكلام إلى الحث على الجهاد فقال تعالى (وَلا تَهِنُوا) أي ولا تضعفوا (فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ) أي في طلب القوم الذين هم أعداء الله وأعداء المؤمنين من أهل الشرك (إِنْ تَكُونُوا) أيها المؤمنون (تَأْلَمُونَ) مما ينالكم من الجراح (فَإِنَّهُمْ) يعني المشركون (يَأْلَمُونَ) أيضا مما ينالهم منكم من الجراح والأذى (كَما تَأْلَمُونَ) أي مثل ما تألمون أنتم من جراحهم واذاهم (وَتَرْجُونَ) أنتم أيها المؤمنون (مِنَ اللهِ) الظفر عاجلا ، والثواب آجلا على ما ينالكم منهم (ما لا يَرْجُونَ) هم على ما ينالهم منكم (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بمصالح خلقه (حَكِيماً) في تدبيره إياهم ، وتقديره أحوالهم.
١٠٥ ـ ١٠٦ ـ ثم خاطب الله نبيّه فقال : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) يا محمد (الْكِتابَ) يعني القرآن (بِالْحَقِ) الذي يجب لله على عباده (لِتَحْكُمَ) يا محمد بين الناس (بِما أَراكَ اللهُ) أي أعلمك الله في كتابه (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) نهاه ان يكون لمن خان مسلما أو معاهدا في نفسه أو ماله خصيما يدافع من طالبه عنه بحقه الذي خانه فيه ويخاصم ثم قال : (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) أمره بأن يستغفر الله في مخاصمته عن الخائن (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) يصفح عن ذنوب عباده المسلمين ويترك مؤاخذتهم بها ، والخطاب وان توجه إلى النبي فالمراد بذلك أمته.
١٠٧ ـ ١٠٩ ـ ثم نهى تعالى عن المجادلة والدفع عن أهل الخيانة مؤكدا لما تقدم فقال : (وَلا تُجادِلْ) قيل الخطاب