شُهُوداً) أي ولا تعمل أنت وأمتك من عمل إلّا كنا عالمين به ، شاهدين عليكم به (إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) أي تدخلون فيه وتخوضون فيه (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ) أي وما يبعد وما يغيب عن علم ربك ورؤيته وقدرته (مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ) أي وزن نملة صغيرة (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ) من وزن نملة (وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) أي في كتاب بيّنه الله فيه قبل أن خلقه وهو اللوح المحفوظ.
٦٢ ـ ٦٥ ـ (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) بيّن سبحانه أن المطيعين لله الذين تولوا القيام بأمره ، وتولاهم سبحانه بحفظه وحياطته ، لا خوف عليهم يوم القيامة من العقاب (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) أي لا يخافون (الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدّقوا بالله واعترفوا بوحدانيته (وَكانُوا يَتَّقُونَ) مع ذلك معاصيه (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) فيه أقوال (أحدها) أن البشرى في الحياة الدنيا هي ما بشّرهم الله تعالى به في القرآن على الأعمال الصالحة ونظيره قوله : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) وقوله (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ) الآية. عن الزجاج والفراء (وثانيها) ان البشارة في الحياة الدنيا بشارة الملائكة (ع) للمؤمنين عند موتهم بأن لا تخافوا ولا تحزنوا أبشروا بالجنة عن قتادة والزهري والضحاك والجبائي (وثالثها) أنها في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو ترى له وفي الآخرة بالجنة وهي ما يبشرهم الملائكة عند خروجهم من القبور وفي القيامة إلى أن يدخلوا الجنة يبشرونهم بها حالا بعد حال وهو المروي عن أبي جعفر (ع) وروي ذلك في حديث مرفوع عن النبي (ص) وروى عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (ع) أنه قال يا عقبة لا يقبل الله من العباد يوم القيامة إلّا هذا الدين الذي انتم عليه وما بين أحدكم وبين أن يرى ما تقرّ به عينه إلّا أن يبلغ نفسه إلى هذه واومى بيده إلى الوريد الخبر بطوله ثم قال إن هذا في كتاب الله وقرأ الآية وقيل ان المؤمن يفتح له باب إلى الجنة في قبره فيشاهد ما أعدّ له في الجنة قبل دخولها (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) أي لا خلف لما وعد الله تعالى به من الثواب (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي ذلك الذي سبق ذكره من البشارة في الحياة الدنيا وفي الآخرة هي النجاة العظيمة التي يصغر في جنبها كل شيء (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) ظاهره النهي والمراد به التسلية للنبي (ص) عن أقوالهم المؤذية (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) فيمنعهم منك بعزته ، ويدفع أذاهم بقدرته. وقيل لا يحزنك قولهم انك ساحر أو مجنون ، فسينصرك الله عليهم ، وسيذلهم وينتقم منهم لك فإنه عزيز قادر عليه (هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) يسمع أقوالهم ، ويعلم ضمائرهم فيجازيهم عليها ، ويدفع عنك شرّهم ، ويرد كيدهم وضرّهم.
٦٦ ـ ٦٧ ـ لما سلّى الله نبيّه صلىاللهعليهوآله بقوله : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) فإنهم لا يفوتوني ، بيّن بعد ذلك ما يدل على صحته فقال (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) يعني العقلاء ، وإذا كان له ملك العقلاء فما عداهم تابع لهم ، وإنما خصّ العقلاء تفخيما (وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ) ما ها هنا بمعنى أيّ شيء فكأنه قال : وأيّ شيء يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء تقبيحا لفعلهم (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) أي ليس يتبعون في اتخاذهم مع الله شركاء إلّا الظن لتقليدهم أسلافهم في ذلك ، أو لشبهة دخلت عليهم بأنهم يتقرّبون بذلك إلى الله تعالى (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) أي وليسوا إلّا كاذبين بهذا الإعتقاد والقول (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) معناه : ان الذي يملك من في السماوات ومن في الأرض هو الذي خلق لكم الليل لسكولكم ، ولأن يزول التعب والكلال عنكم بالسكون فيه (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أي وجعل النهار مبصرا مضيئا تبصرون فيه ونهتدون به في حوائجكم بالإبصار (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) أي لحججا ودلالات على توحيد الله سبحانه من حيث لا يقدر على ذلك غيره (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) الحجج سماع تدبّر وتفهم