المؤمنين والمظاهرة عليهم.
١٤١ ـ قد وصف الله سبحانه المنافقين والكافرين فقال : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) أي ينتظرون بكم أيها المؤمنون ، لأنهم كانوا يقولون : سيهلك محمد (ص) وأصحابه فنستريح منهم ، ويظهر قومنا وديننا (فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ) أي فان اتفق لكم فتح وظفر على الأعداء (قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) نجاهد عدوكم ، ونغزوهم معكم ، فاعطونا نصيبنا من الغنيمة فقد شهدنا القتال (وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ) أي حظ بإصابتهم من المؤمنين (قالُوا) أي قال المنافقون للكافرين (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) أي ألم نغلبكم على رأيكم بالموالاة لكم؟ ونمنعكم من الدخول في جملة المؤمنين وقيل معناه : ألم نبيّن لكم انا على ما أنتم عليه؟ أي ألم نضمكم إلى أنفسنا ، ونطلعكم على أسرار محمد (ص) وأصحابه ، ونكتب اليكم بأخبارهم حتى غلبتم عليهم؟ فاعرفوا لنا هذا الحق عليكم (وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي ندفع عنكم صولة المؤمنين بتخذيلنا إياهم عنكم ، وكوننا عيونا لكم حتى انصرفوا عنكم وغلبتموهم (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) هذا اخبار منه سبحانه عن نفسه بأنه الذي يحكم بين الخلائق يوم القيامة ، ويفصل بينهم بالحق (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) ان المراد لن يجعل الله لليهود على المؤمنين نصرا ولا ظهورا عن ابن عباس.
١٤٢ ـ ١٤٣ ـ ثم بيّن سبحانه أفعالهم القبيحة فقال (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) قد ذكرنا معناه في أول البقرة وعلى الجملة خداع المنافقين لله إظهارهم الإيمان الذي حقنوا به دماءهم وأموالهم ومعنى خداع الله إياهم أن يجازيهم على خداعهم كما قلناه في قوله : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى) أي متثاقلين (يُراؤُنَ النَّاسَ) يعني انهم لا يعملون شيئا من أعمال العبادات على وجه القربة إلى الله ، وإنما يفعلون ذلك إبقاء على أنفسهم ، وحذرا من القتل ، وسلب الأموال ، وإذا رآهم المسلمون صلّوا ليروهم انهم يدينون بدينهم ، وان لم يرهم أحد لم يصلوا (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) أي ذكرا لله قليلا ومعناه : لا يذكرون الله عن نية خالصة ، ولو ذكروه مخلصين لكان كثيرا ، وإنما وصف بالقلة لأنه لغير الله (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ) أي مرددين بين الكفر والإيمان وصفهم سبحانه بالحيرة في دينهم ، وانهم لا يرجعون إلى صحة نية لا مع المؤمنين على بصيرة ولا مع الكافرين على جهالة (لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) أي لا مع هؤلاء في الحقيقة ولا مع هؤلاء ، يظهرون الإيمان كما يظهره المؤمنون ، ويضمرون الكفر كما يضمره المشركون ، فلم يكونوا مع أحد الفريقين في الحقيقة (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) أي طريقا ومذهبا.
١٤٤ ـ ١٤٦ ـ ثمّ نهى سبحانه عن موالاة المنافقين فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) أي أنصارا (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) فتكونوا مثلهم (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) أي حجة ظاهرة ، وهو استفهام يراد به التقرير ، وفيه دلالة على أن الله لا يعاقب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه والإستحقاق ، وانه لا يعاقب الأطفال بذنوب الآباء (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) فإن للنار طبقات ودركات ، كما ان للجنة درجات ، فيكون المنافق على أسفل طبقة منها لقبح عمله عن ابن كثير وأبي عبيدة وجماعة ، وقيل : ان المنافقين في توابيت من حديد مغلقة عليهم في النار ، عن