أن يقيد ذلك بمشيئة الله تعالى فيقول : إن شاء الله (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) معناه واذكر ربك إذا نسيت الاستثناء ثم تذكرت فقل : إن شاء الله وان كان بعد يوم أو شهر أو سنة (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً) معناه : قل عسى ربي أن يعطيني من الآيات والدلالات على النبوة ما يكون اقرب من الرشد ، وأدل من قصة أصحاب الكهف ، ثم ان الله سبحانه فعل به ذلك حيث آتاه من علم غيوب اخبار المرسلين وآثارهم ما هو واضح في الدلالة وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف.
٢٥ ـ ٢٧ ـ ثم أخبر سبحانه عن مقدار مدة لبثهم فقال (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) معناه : وأقام اصحاب الكهف من يوم دخلوا الكهف إلى أن بعثهم الله واطلع عليهم الخلق ثلاثمائة سنة (وَازْدَادُوا تِسْعاً) أي تسع سنين (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) معناه : ان حاجّك يا محمد أهل الكتاب في ذلك فقل : الله أعلم بما لبثوا (لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) والغيب : أن يكون الشيء بحيث لا يقع عليه الإدراك ، أي لا يغيب عن الله سبحانه شيء لأنه لا يكون بحيث لا يدركه ، (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) هذا لفظ التعجب ومعناه : ما أبصره وأسمعه ، أي ما أبصر الله تعالى لكل مبصر ، وما أسمعه لكل مسموع ، فلا يخفى عليه من ذلك وروي ان يهوديا سأل علي بن أبي طالب (ع) عن مدة لبثهم فأخبر بما في القرآن فقال : انا نجد في كتابنا ثلاثمائة فقال (ع) ذاك بسني الشمس ، وهذا بسني القمر وقوله (ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍ) أي ليس لأهل السماوات والأرض من دون الله من ناصر يتولى نصرتهم (وَلا يُشْرِكُ) الله (فِي حُكْمِهِ أَحَداً) فلا يجوز ان يحكم حاكم بغير ما حكم الله تعالى به ثم قال سبحانه لنبيه (ص) (وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ) أي واقرأ عليهم ما أوحى الله اليك من أخبار اصحاب الكهف وغيرهم فإن الحق فيه (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) أي لا مغير لما أخبر الله به فيه ، وما أمر به ، وعلى هذا فيكون التقدير : لا مبدل لحكم كلماته (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) معناه : ان لم تتبع القرآن فلن تجد من دون الله ملجأ.
٢٨ ـ ٢٩ ـ ثم أمر الله سبحانه نبيه (ص) بالصبر مع المؤمنين فقال (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) يا محمد : أي احبس نفسك (مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) أي يداومون على الصلاة والدعاء عند الصباح والمساء لا شغل لهم غيره ، ويستفتحون يومهم بالدعاء ، ويختمونه بالدعاء (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) أي رضوانه (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ) أي ولا تتجاوز عيناك عنهم بالنظر إلى غيرهم من أبناء الدنيا (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي مريدا مجالسة أهل الشرف والغنى ، وكان النبي (ص) حريصا على إيمان العظماء من المشركين طمعا في إيمان اتباعهم (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) معناه : ولا تطع من جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا بتعريضه للغفلة ولهذا قال : واتبع هواه ومثله : فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم وعن الحسن ولا تطع من تركنا قلبه : خذلنا وخلينا بينه وبين الشيطان بتركه أمرنا (وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) أي سرفا وإفراطا عن مقاتل والجبائي قال الزجاج ومن قدم العجز في أمره اضاعه وأهلكه فيكون المعنى في هذا انه ترك الإيمان والإستدلال بآيات الله واتبع الهوى. ثم قال سبحانه (وَقُلِ) يا محمد لهؤلاء الذين أمروك بتنحية الفقراء (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) أي هذا الحق من ربكم يعني القرآن (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) هذا وعيد من الله سبحانه وانذار ولذلك عقبّه بقوله : (إِنَّا أَعْتَدْنا) ومعناه : فليختر كل لنفسه ما شاء فإنهم لا ينفعون الله تعالى بإيمانهم ولا يضرونه بكفرهم ، وإنما يرجع النفع والضرّ إليهم (إِنَّا أَعْتَدْنا) أي هيّأنا وأعددنا (لِلظَّالِمِينَ) أي الكافرين الذين ظلموا أنفسهم بعبادة غير الله تعالى (ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) والسرادق : حائط من نار يحيط بهم (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا) من شدة العطش ، وحرّ النار (يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ) وهو كل