أُمَّةٍ رَسُولٌ) أي لكل جماعة على طريقة واحدة ودين واحد كأمة محمد ، وأمة موسى وعيسى عليهمالسلام رسول بعثه الله إليهم ، وحمله الرسالة التي يؤديها إليهم (فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ) والتقدير : فإذا جاء رسولهم وبلّغ الرسالة ، فكذبه قومه ، وصدّقه آخرون (قُضِيَ بَيْنَهُمْ) فيهلك المكذبون ، وينجو المؤمنون وقيل معناه : فإذا جاء رسولهم يشهد عليهم يوم القيامة عن مجاهد ، وقيل : في الدنيا بما أذن الله له من الدعاء عليهم ، (قُضِيَ بَيْنَهُمْ) : أي فصل بينهم الأمر على الحتم (بِالْقِسْطِ) أي بالعدل (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي لا ينقصون عن ثواب طاعاتهم ، ولا يزدادون في عقاب سيئاتهم.
٤٨ ـ ٥٢ ـ لما وعد سبحانه المكذبين بين عقيبه أنهم إذا استعجلوا ذلك على سبيل التكذيب والرد فقال (وَيَقُولُونَ) أي ويقول هؤلاء المشركون (مَتى هذَا الْوَعْدُ) الذي تعدنا به من البعث وقيام الساعة (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في ذلك (قُلْ) يا محمد جوابا لهم (لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً) أي لا أقدر لنفسي على ضر أن نفع (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) أن يملكني أو يقدرني عليه فكيف أقدر لكم لأني إذا لم أقدر على ذلك كنت عن انزال العذاب وعن معرفة وقته أعجز أو يكون معناه إذا لم أملك لنفسي شيئا من ذلك إلا ما ملكنيه الله تعالى فكيف أملك تقديم القيامة وتعجيل العقوبة قبل الوقت المقدر له (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) أي لكل أمة في عذابها على تكذيب الرسول وقت معلوم (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) فلا يتأخرون عن ذلك الوقت ولا يتقدمون عليه بل يهلكهم في ذلك الوقت بعينه (قُلْ) يا محمد لهؤلاء المكذبين المستعجلين بالعذاب (أَرَأَيْتُمْ) أي اعلمتم (إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ) أي عذاب الله (بَياتاً) أي ليلا (أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) وهذا استفهام معناه التقطيع والتهويل كما يقول الإنسان لمن هو في أمر يستوخم عاقبته : ماذ تجني على نفسك؟ وهذا جواب لقولهم : متى هذا الوعد. وقال أبو جعفر الباقر (ع): يريد بذلك عذابا ينزل من السماء على فسقه أهل القبلة في آخر الزمان ، ونعوذ بالله منه (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ) هذا استفهام معناه الإنكار وتقديره : أحين وقع بكم العذاب المقدر الموقت آمنتم به؟ أي بالله في وقت اليأس وقيل : بالقرآن ، وقيل : بالعذاب الذي كنتم تنكرونه ، فيقال لكم (آلْآنَ) تؤمنون وقد اضطررتم لحلوله (وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ) أي بالعذاب (تَسْتَعْجِلُونَ) من قبل مكذبين مستهزئين وقال الحسن معناه : ثم أنكم ستؤمنون به عند وقوع العذاب فلا ينفعكم إيمانكم ، ونظيره : الآن وقد عصيت قبل (ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ) أي ثم يقال يوم القيامة للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد أي ثم يقال يوم القيامة للذين ظلموا أنفسهم : ذوقوا عذاب الدوام في الآخرة بعد عذاب الدنيا (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) معناه : انكم قد دعيتم وهديتم ، وبيّن لكم الأدلة ، وازيحت عنكم العلة فأبيتم إلّا التمادي في الكفر ، والانهماك في الغي فذوقوا جزاء أعمالكم ، وإنما شبّهوا بالذائق وهو الذي يطلب الطعم بالفم لأنه أشد احساسا وقيل : لأنهم يتجرعون العذاب بدخوله أجوافهم.
٥٣ ـ ٥٦ ـ (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ) يا محمد أي يطلبون منك أن تخبرهم (أَحَقٌّ هُوَ) أي أحق ما وعدنا من البعث والقيامة والعذاب (قُلْ) يا محمد (إِي وَرَبِّي) أي نعم وحق الله (إِنَّهُ لَحَقٌ) لا شك فيه (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي بسابقين فائتين. وهذا استخبار يحتمل أن يكون إنما وقع منهم على وجه التعريف والاستفهام ، ويحتمل أن يكون وقع على وجه الاستهزاء (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ) أي أشركت بالله ، عن ابن عباس ، وقيل : ظلمت بكل ما يسمى ظلما (ما فِي الْأَرْضِ) من الأموال (لَافْتَدَتْ بِهِ) من هول ما يلحقها من العذاب (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) أي اخفوا