يأمر بالعدل والحق ، ويدعو إلى الثواب والبر (وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي على دين قويم ، وطريق واضح فيما يأتي به ويذر ، والمراد : أنهما لا يستويان قط لأنه لا جواب لهذا الكلام إلّا النفي ؛ وهذا كما قال : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ومعناه : انه المختص بعلم الغيب وهو ما غاب عن جميع الخلائق مما يصح أن يكون معلوما (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ) في قدرته (إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ) أي كطرف العين (أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) من ذلك وهو مبالغة في ضرب المثل به في السرعة (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فهو قادر على إقامة الساعة وعلى كل شيء يريده ، لأن القدير مبالغة في صفة القادر.
٧٨ ـ ٨٠ ـ ثم عدد سبحانه نعما له أخر فقال (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) منعما عليكم بذلك وأنتم (لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) من منافعكم ومضاركم في تلك الحال (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) أي تفضل عليكم بالحواس الصحيحة التي هي طرق إلى العلم بالمدركات ، وتفضل عليكم بالقلوب التي تفقهون بها الأشياء إذ هي محل المعارف (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي لكي تشكروه على ذلك وتحمدوه. ثم عطف سبحانه على ما تقدم من الدلائل بدلالة أخرى فقال (أَلَمْ يَرَوْا) أي ألم تتفكروا وتنظروا (إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ) أي كيف خلقها الله خلقة يمكنها معها التصرف في جو السماء صاعدة ومنحدرة ، وذاهبة وجائية مذللات للطيران في الهواء بأجنحتها تطير من غير أن تعتمد على شيء (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ) أي ما يمسكهن من السقوط على الأرض من الهواء إلّا الله فيمسك الهواء تحت الطير حتى لا ينزل فيه كامساك الماء تحت السائح في الماء حتى لا ينزل فيه (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) أي دلالات على وحدانية الله تعالى وقدرته (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) لأنهم الذين انتفعوا به ثم عدّد سبحانه نعما أخر في الآية الأخرى فقال (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً) أي موضعا تسكنون فيه مما يتخذ من الحجر والمدر (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ) يعني الأنطاع والأدم (بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها) أي قبابا وخياما يخفّ عليكم حملها في أسفاركم (يَوْمَ ظَعْنِكُمْ) أي ارتحالكم من مكان إلى مكان (وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ) أي اليوم الذي تنزلون موضعا تقيمون فيه ، أي لا يثقل عليكم في الحالتين (وَمِنْ أَصْوافِها) وهي للضأن (وَأَوْبارِها) وهي اللإبل (وَأَشْعارِها) وهي للمعز (أَثاثاً) أي نوعا من متاع البيت من الفراش والأكسية وطنافس وكسوة (وَمَتاعاً) تتمتعون به ، ومعاشا تتجرون فيه (إِلى حِينٍ) أي إلى يوم القيامة. ويحتمل ان يكون أراد به موت المالك ، أو موت الأنعام ، وقيل : إلى وقت البلى والفناء ؛ وفيه اشارة إلى انها فانية فلا ينبغي للعاقل أن يختارها على نعيم الآخرة.
٨١ ـ ٨٥ ـ ثم عدّد سبحانه نعما أخر أضافها إلى ما عدّده قبل من نعمه فقال (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ) من الأشجار والأبنية (ظِلالاً) أي أشياء تستظلون بها في الحر والبرد (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً) أي مواضع تسكنون بها من كهوف وثقوب تأوون إليها (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ) أي قميصا من القطن والكتان والصوف (تَقِيكُمُ الْحَرَّ) ولم يقل وتقيكم البرد لأن ما وقى الحر وقى البرد ، وإنما خصّ الحر بذلك مع وقايتها للبرد أكثر لأن الذين خوطبوا بذلك أهل حرّ في بلادهم ، فحاجتهم إلى ما يقي الحر أكثر ، على ان العرب تكتفي بذكر أحد الشيئين عن الآخر للعلم به كما قال الشاعر :
وما أدري اذا يممت ارضا |
|
أريد الخير أيهما يليني |
فكنى عن الشر ولم يذكره لأنه مدلول عليه (وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) يعني دروع الحديد تقيكم شدة الطعن ، وتدفع عنكم سلاح اعدائكم (كَذلِكَ) أي مثل ما جعل لكم هذه