وغيره (إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) ان طردتهم.
٣٢ ـ ٣٥ ـ ثم حكى الله سبحانه جواب قوم نوح عما قاله لهم فقال (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا) أي خاصمتنا وحاججتنا (فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا) أي زدت في مجادلتنا على مقدار الكفاية (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في أن الله تعالى يعذبنا على الكفر (قالَ) نوح (إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ) أي لا يأتي بالعذاب إلا الله سبحانه متى شاء لا يقدر عليه غيره ، فإن شاء عجّل ، وإن شاء أخّر (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي لا تفوتونه بالهرب (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) إن كان الله يريد أن يخيبكم من رحمته بأن يحرمكم ثوابه ، ويعاقبكم لكفركم به فلا ينفعكم نصحي إن اردت أن انصح لكم ، وقد سمّى الله سبحانه العقاب غيّا بقوله : (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) ويشهد بصحة ما قلناه قول الشاعر :
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره |
|
ومن يغو لا يعدم على الغي لائما |
ولما خيّب الله سبحانه قوم نوح من رحمته ، واعلم الله نوحا عليهالسلام بذلك في قوله : (لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) ، قال لهم : لا ينفعكم نصحي مع إيثاركم ما يوجب خيبتكم ، والعذاب الذي جرّه إليكم قبيح أفعالكم ، وإذا طرأ شرط على شرط كان الثاني مقدما على الأول في المعنى ، وإن كان مؤخرا في اللفظ ، والتقدير : ولا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يغويكم ان أردت أن انصح لكم (هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي هو خالقكم ورازقكم ، وإلى حكمه وتدبيره تصيرون فيجازيكم على أعمالكم (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) يعني بذلك محمدا (ص) (قُلْ) لهم يا محمد (إِنِ افْتَرَيْتُهُ) واختلقته كما تزعمون (فَعَلَيَّ إِجْرامِي) أي عقوبة جرمي لا تؤخذون به (وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) أي لا أؤخذ بجرمكم.
٣٦ ـ ٣٩ ـ (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) أعلم الله سبحانه نوحا أنه لن يؤمن به أحد من قومه في المستقبل (فَلا تَبْتَئِسْ) أي لا تغتم ولا تحزن (بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) فلما علم أن أحدا منهم لا يؤمن فيما بعد ولا من نسلهم دعا عليهم فقال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً). فلما أراد الله اهلاكهم أمر نبيّه باتخاذ السفينة له ولقومه فقال (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ) أي اعمل السفينة لتركبها أنت ومن آمن بك (بِأَعْيُنِنا) أي بمرأى منا والتأويل : بحفظنا إياك حفظ الرائي لغيره إذا كان يدفع الضرر عنه وذكر الأعين لتأكيد الحفظ وقيل أراد بالأعين الملائكة الموكلين بك وبحضرتهم وهم ينظرون بأعينهم إليك وإنما أضاف ذلك إلى نفسه إكراما وتعظيما لهم وقوله (وَوَحْيِنا) معناه : وعلى ما أوحينا إليك من صفتها وحالها عن أبي مسلم وقيل المراد بوحينا اليك أن اصنعها وذلك أنه (ع) لم يعلم صنعة الفلك فعلّمه الله تعالى عن ابن عباس (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) أي لا تسألني العفو عن هؤلاء الذين كفروا من قومك ، ولا تشفع لهم فإنهم مغرقون عن قريب ، وهذا غاية في الوعيد كما يقول الملك لوزيره لا تذكر حديث فلان بين يدي وقيل إنه عنى به امرأته وابنه وإنما نهاه عن ذلك ليصونه عن سؤال ما لا يجاب إليه وليصرف عنه مأثم الممالأة للطغاة (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) أي وجعل نوح (ع) يصنع الفلك كما أمره الله (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) أي كلما اجتاز به جماعة من اشراف قومه ورؤسائهم وهو يعمل السفينة هزؤوا من فعله وقيل انهم كانوا يقولون له يا نوح صرت نجارا بعد النبوة على طريق الإستهزاء وقيل إنما كانوا يسخرون من عمل السفينة لأنه كان يعملها في البر على صفة من الطول والعرض ولا ماء هناك يحمل مثلها فكانوا يتضاحكون ويتعجبون من عمله (قالَ) أي كان يقول لهم (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ) والمراد : ان تستجهلونا في هذا الفعل فإنا نستجهلكم عند نزول العذاب بكم كما