الجود ، وإنما قال : يداه على التثنية مبالغة في معنى الجود والإنعام لأن ذلك أبلغ فيه من أن يقول بل يده مبسوطة (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) معناه : يعطي كيف يشاء من يشاء من عباده ، ويمنع من يشاء من عباده ، لأنه متفضل بذلك فيفعل على حسب المصلحة (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) ، ويريد بالكثير منهم المقيمين على الكفر وإنما إزدادوا كفرا لأنه كلما أنزل الله حكما ، وأخبرهم النبي (ص) به جحدوه وإزدادوا بذلك طغيانا ، وهو التمادي والمجاوزة عن الحد ، وكفرا انضمّ إلى كفرهم (وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) أي بين اليهود والنصارى وقيل : يريد به اليهود خاصة ، وقد مرّ تفسيره في أول السورة عند قوله : فاغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) أي لحرب محمد وفي هذا دلالة ومعجزة لأن الله أخبره فوافق خبره المخبر ، فقد كانت اليهود أشد أهل الحجاز بأسا ، وأمنعهم دارا حتى ان قريشا كانت تعتضد بهم ، والأوس والخزرج تستبق إلى محالفتهم ، وتتكثر بنصرتهم ، فأباد الله خضراءهم واستأصل شأفتهم واجتث أصلهم (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) بمعصية الله ، وتكذيب رسله ، ومخالفة أمره ونهيه ، واجتهادهم في محو ذكر النبي (ص) من كتبهم (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) العاملين بالفساد والمعاصي في أرضه.
٦٥ ـ ٦٦ ـ (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ) يعني اليهود والنصارى (آمَنُوا) بمحمد (ص) (وَاتَّقَوْا) الكفر والفواحش (لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) أي سترناها عليهم ، وغفرناها لهم (وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) ظاهر المعنى (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) أي عملوا بما فيهما على ما فيهما دون ان يحرفوا شيئا منهما أو يغيروا أو يبدلوا كما كانوا يفعلونه (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ) يريد به القرآن (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ) بإرسال السماء عليهم مدرارا (وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) بإعطاء الأرض خيرها وبركتها والمعنى : لتركوا في ديارهم ولم يجلوا عن بلادهم ولم يقتلوا (مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) أي من هؤلاء قوم معتدلون في العمل من غير غلو ولا تقصير (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) أي أكثر هؤلاء اليهود والنصارى يعملون الأعمال السيئة ، وهم الذين يقيمون على الكفر والجحود بالنبي (ص).
٦٧ ـ ثم أمر سبحانه نبيّه بالتبليغ ، ووعده العصمة والنصرة فقال : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ) وهذا نداء تشريف وتعظيم (بَلِّغْ) أي أوصل إليهم (ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) إن الله تعالى بعث النبي (ص) برسالة ضاق بها ذرعا وكان يهاب قريشا ، فأزال الله بهذه الآية تلك الهيبة. عن ابن عباس ، وجابر بن عبد الله قالا : أمر الله محمدا (ص) أن ينصب عليا (ع) للناس فيخبرهم بولايته فتخوف رسول الله (ص) أن يقولوا : حابى ابن عمه ، وأن يطعنوا في ذلك عليه ، فأوحى الله إليه هذه الآية فقام بولايته يوم غدير خم (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) أي يمنعك من أن ينالوك بسوء (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) المراد : لا يهديهم إلى الجنة والثواب وفي هذه الآية دلالة على صدق النبي (ص) وصحة نبوته أنه وقع مخبره على ما أخبر به فدل ذلك على انه من عند عالم الغيوب والسرائر ، وروي أن النبي (ص) لمّا نزلت هذه الآية قال لحراس من أصحابه كانوا يحرسونه منهم سعد وحذيفة : الحقوا بملاحقكم فإن الله تعالى عصمني من الناس.
٦٨ ـ ثم أمر سبحانه النبي (ص) أن يخاطب اليهود فقال : (قُلْ) يا محمد (يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ) من الدين الصحيح (حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ