ويحتمل أن يكون لتبيين الجنس (كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى) أي كما أخرجنا الثمرات كذلك نخرج الموتى بأن نحييها بعد موتها (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي لكي تتذكروا وتتفكروا وتعتبروا بأنّ من قدر على إنشاء الأشجار والثمار في البلد الذي لا ماء فيه ولا زرع بريح يرسلها فإنه يقدر على إحياء الأموات بأن يعيدها إلى ما كانت عليه ، ويخلق فيها الحياة والقدرة ثمّ بيّن سبحانه حال الأرض التي يأتيها المطر (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ) معناه : والأرض الطيب ترابه (يَخْرُجُ نَباتُهُ) أي زروعه خروجا حسنا ناميا زاكيا من غير كدّ ولا عناء (بِإِذْنِ رَبِّهِ) بأمر الله تعالى ، وإنما قال : (بِإِذْنِ رَبِّهِ) ليكون ادل على العظمة ونفوذ الإرادة من غير تعب ولا نصب (وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) أي والأرض السبخة التي خبث ترابها لا يخرج ريعها إلّا شيئا قليلا لا ينتفع به (كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) أي الدلالات المختلفة (لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) معناه : كما بينا هذا المثل نبين الدلالات للشاكرين.
٥٩ ـ ٦٤ ـ لما بين الله سبحانه الأدلة على وحدانيته ، ذكر بعده حال من عاند وكذب رسله تسلية لنبينا محمد (ص) (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) وتقديره : انا حملنا نوحا الرسالة إلى قومه ، وتحميل الرسالة : تكليفه القيام بها ، وهي منزلة جليلة شريفة يستحق الرسول بتقبله إياها ، وقيامه باعبائها من التعظيم والاجلال ما لا يستحق بغيره ، وهو نوح بن ملك بن متوشلخ ابن اخنوخ النبي وهو ادريس (ع) ولبث في قومه الف سنة إلّا خمسين عاما ، وكان في تلك الألف ثلاثة قرون عايشهم ، وعمّر فيهم ، وكان يدعوهم ليلا ونهارا فلا يزيدهم دعاؤه إلا فرارا وكان يضربه قومه حتى يغشى عليه ، فإذا أفاق قال : اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ، ثم شكاهم إلى الله تعالى فغرقت الدنيا (فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) أخبر سبحانه أنه أمرهم بعبادة الله وحده لأنه لا إله لهم غيره ، ولا معبود لهم سواه ، ثم أوعدهم على مخالفته فقال (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) إنما قال : أخاف ولم يقطع لأنه جوّز أن يؤمنوا : ثم ذكر سبحانه جوابهم فقال : (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ) أي الجماعة من قومه وقيل : الأشراف والرؤساء (إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي إنا لنعلمك في ذهاب من الحق بين ظاهر لدعائك إيانا إلى ترك عبادة الأصنام (قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ) أي ليس بي عدول عن الحق ، ولا ذهاب عن الصواب (وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) الذي يملك كل شيء (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) أي اؤدّي اليكم ما حملني ربي من الرسالات (وَأَنْصَحُ لَكُمْ) في تبليغ الرسالة على وجهها من غير تغيير ولا زيادة ولا نقصان (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ) من صفات الله وتوحيده وعدله وحكمته (ما لا تَعْلَمُونَ) وقيل : اعلم من دين الله وقيل : اعلم من قدرته وسلطانه وشدّة عقابه ما لا تعلمونه (أَوَعَجِبْتُمْ) هذه همزة استفهام دخلت على واو العطف على جهة الانكار فبقيت الواو مفتوحة كما كانت (أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ) أي لأن جاءكم بيان وقيل : نبوة ورسالة (مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ) أي على بشر مثلكم ليخوّفكم العقاب إن لم تؤمنوا (وَلِتَتَّقُوا) أي ولتتقوا الشرك والمعاصي (وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي ولكي ترحموا (فَكَذَّبُوهُ) أي فكذبوا نوحا فيما دعاهم إليه (فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ) أي فخلصناه والذين كانوا معه في السفينة وهم المؤمنون (وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي وأهلكنا الذين كذّبوا بدلائلنا بالماء (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ) عن الحق ، أي ذاهبين عنه جاهلين به.
قصّة نوح عليه السلام
لما بعث الله عزوجل نوحا دعا قومه إلى الله حتى انقرضت ثلاثة قرون منهم ، كل قرن ثلثمائة سنة يدعوهم سرا وجهرا فلا يزدادون إلّا طغيانا ، ولا يأتي منهم قرن إلّا كان اعتى على الله