في تصديق محمد (ص) ، يعني اليهود كانوا مقرّين به قبل مبعثه حتى جاءهم العلم ، وهو القرآن الذي جاء به محمد (ص) (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) هذا اخبار منه تعالى بأنه الذي يتولى الحكم بينهم يوم القيامة في الأمور التي يختلفون فيها.
٩٤ ـ ٩٧ ـ ثم بيّن سبحانه صحة نبوة محمد (ص) فقال (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) قال الزجاج : إن هذه الآية قد كثر سؤال الناس عنها ، وخوضهم فيها ، وفي السورة ما يدل على بيانها ، فإن الله سبحانه يخاطب النبي (ص) وذلك الخطاب شامل للخلق فالمعنى : فإن كنتم في شك فاسألوا ، والدليل عليه قوله في آخر السورة : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) الآية ، فاعلم الله سبحانه أن نبيه عليهالسلام ليس في شك ، ومثل هذا قوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) ، فقال : طلقتم والخطاب للنبي (ص) (لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) يعني بالحق القرآن والإسلام (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) أي الشاكين (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) أي من جملة من يجحد آيات الله ولا يصدق بها (فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ) أي فإنك إن فعلت ذلك كنت من الخاسرين (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) معناه : ان الذين أخبر الله عنهم بغير شرط أنهم لا يؤمنون ، فنفى الإيمان عنهم ولم ينف عنهم القدرة عليه ، فإن نفي الفعل لا يكون نفيا للقدرة عليه ، كما ان الله سبحانه نفى عن نفسه مغفرة المشركين ولم يكن ذلك نفيا لقدرته على مغفرتهم ، وقيل معناه ان الذين وجب عليهم سخط ربك ، عن قتادة ، وقيل معناه : وجب عليهم وعد ربك (وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) أي كل معجزة ودلالة مما يقترحونها (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) الموجع فيصيروا ملجأين إلى الإيمان وفي هذا اعلام بأن هؤلاء الكفار لا لطف لهم في المعلوم يؤمنون عنده إيمان اختيار.
٩٨ ـ لما ذكر سبحانه أن إيمان فرعون لم يقبل عند معاينة العذاب ، وصل ذلك بذكر إيمان قوم يونس قبل نزول العذاب فقال (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) قيل ان معناه : فهلّا كان أهل قرية آمنوا في وقت ينفعهم إيمانهم. أعلم الله سبحانه أن الإيمان لا ينفع عند وقوع العذاب ، ولا عند حضور الموت الذي لا يشك فيه ، ولكن قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم العذاب عن الزجاج قال : وقوم يونس لم يقع بهم العذاب ، إنما رأوا الآية التي تدل على العذاب ، فمثلهم مثل العليل الذي يتوب في مرضه وهو يرجو العافية ويخاف الموت وقيل ان معناه : لم يكن فيما خلا أن يؤمن أهل قرية بأجمعهم حتى لا يشذ منهم أحد إلّا قوم يونس فهلا كانت القرى كلها هكذا عن الحسن وقيل معناه فما كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها عند نزول العذاب وكشف عنهم أي لم أفعل هذا بأمة قط إلا قوم يونس (لَمَّا آمَنُوا) عند نزول العذاب كشف عنهم العذاب بعد ما تدلى عليهم وهو قوله (كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) وهو وقت انقضاء آجالهم.
٩٩ ـ ١٠٠ ـ لما تقدّم أن إيمان الملجأ غير نافع بيّن سبحانه أن ذلك لو كان ينفع لأكره أهل الأرض عليه فقال (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) يا محمد (لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ) أي لآمن أهل الأرض (كُلُّهُمْ جَمِيعاً) معناه : الاخبار عن قدرة الله تعالى ، وأنه يقدر على أن يكره الخلق على الإيمان كما قال : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) ، ولذلك قال بعد ذلك (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) ومعناه : انه لا ينبغي أن تريد إكراههم على الإيمان مع انك لا تقدر عليه لأن الله تعالى يقدر عليه ولا يريد لأنه ينافي التكليف ، وأراد بذلك تسلية النبي (ص) وتخفيف ما يلحقه من التحسر والحرص على إيمانهم (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ