٢٦ ـ ٣٠ ـ ثم حثّ سبحانه نبيّه (ص) إيتاء الحقوق لمن يستحقها على كيفية الإنفاق فقال (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) المراد قرابة الرسول عن السدي قال : إن علي بن الحسين (ع) قال لرجل من أهل الشام حين بعث به عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية : أقرأت القرآن؟ قال : نعم قال : أما قرأت (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ)؟ قال : نعم. وعن أبي سعيد الخدري قال : لمّا نزل قوله (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) أعطى رسول الله (ص) فاطمة فدكا ، قال عبد الرحمن بن صالح : كتب المأمون إلى عبد الله بن موسى يسأله عن قصة فدك ، فكتب إليه عبد الله بهذا الحديث ، فردّ المأمون فدكا إلى ولد فاطمة (ع) (وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) معناه : وآت المسكين حقه الذي جعله الله له من الزكاة وغيرها ، وآت المجتاز المنقطع عن بلاده حقه أيضا (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) المبذر الذي ينفق المال في غير حقه (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) معناه : إن المسرفين اتباع الشياطين سالكون طريقهم (وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) أي كان الشيطان في قديم مذهبه كثير الكفر مرة بعد أخرى (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ) أي وان تعرض عن هؤلاء الذين أمرتك بإيتاء حقوقهم عند مسألتهم إيّاك لأنك لا تجد ذلك حياء منهم (ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها) أي لتبتغي الفضل من الله ، والسعة التي يمكنك معها البذل بأمل تلك السعة وذلك الفضل (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) أي عدهم عدة حسنة ، وقل لهم قولا سهلا لينا يتيسر عليك (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) أي لا تكن ممن لا يعطي شيئا ولا يهب فتكون بمنزلة من يده مغلولة إلى عنقه لا يقدر على الإعطاء والبذل ، وهذا مبالغة في النهي عن الشح والإمساك (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) أي ولا تعط أيضا جميع ما عندك فتكون بمنزلة من بسط يده حتى لا يستقر فيها شيء ، وهذا كناية عن الإسراف (فَتَقْعُدَ مَلُوماً) تلوم نفسك وتلام (مَحْسُوراً) منقطعا به وليس عندك شيء (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي يوسع مرة ، ويضيق مرة بحسب المصلحة مع سعة خزائنه (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) أي عالما بأحوالهم ، بصيرا بمصالحهم ، فيبسط على واحد ويضيق على آخر ، يدبرهم على ما يراه من الصلاح.
٣١ ـ ٣٥ ـ ثم عطف سبحانه على ما تقدّم فقال (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ) أي بناتكم (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) أي خوف فقر (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) أخبر سبحانه انه متكفل برزق أولادهم ورزقهم (إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً) يعني إن قتلهم في الجاهلية كان إثما عظيما عند الله وهو اليوم كذلك (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) وهو وطء المرأة حراما بلا عقد (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً) أي معصية كبيرة عظيمة والمراد : انه كان عندهم في الجاهلية فاحشة وهو الآن كذلك ومثل هذا في القرآن كثير (وَساءَ سَبِيلاً) أي وبئس الطريق الزنا وفيه إشارة إلى أن العقل يقبح الزنا من حيث انه لا يكون للولد نسب ، إذ ليس بعض الزناة أولى به من بعض ، فيؤدي إلى قطع الأنساب ، وابطال المواريث ، وابطال صلة الرحم ، وحقوق الآباء على الأولاد ، وذلك مستنكر في العقول ؛ وعن عثمان بن الخطاب : سمعت علي بن أبي طالب عليهالسلام يقول : سمعت رسول الله (ص) يقول في الزنا ست خصال ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة فأما اللواتي في الدنيا : فيذهب بنور الوجه ، ويقطع الرزق ، ويسرع الفناء ، وأما اللواتي في الآخرة : فغضب الرب ، وسوء الحساب ، والدخول في النار أو الخلود في النار (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) وهو أن يجب عليه القتل أما لكفره ، أو ردته ، أو لأنه قتل نفسا بغير حق ، أو زنى وهو محصن (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً) بغير حق (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) أي قد أثبتنا لوليه سلطان القود على القاتل ، أو الديّة ، أو العفو (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) مرّ تفسيره قبل (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي