رُسُلَهُ) أي فلا تظنن الله عز اسمه مخلفا رسله ما وعدهم به من النصر والظفر بالكفار ، والظهور عليهم (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) أي ممتنع بقدرته من أن ينال باهتضام من الكفار (ذُو انتِقامٍ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) قيل فيه قولان (أحدهما) أن المعنى : تبدّل صورة الأرض وهيئتها ، عن ابن عباس ، فقد روي عنه أنه قال : تبدّل آكامها وآجامها وجبالها وأشجارها ، والأرض على حالتها ، وتبقى أرضا بيضاء كالفضة ، لم يسفك عليها دم ، ولم يعمل عليها خطيئة ، وتبدّل السماوات فيذهب بشمسها وقمرها ونجومها ، وكان ينشد :
فما الناس بالناس الذين عهدتهم |
|
ولا الدار بالدار التي كنت أعرف |
ويعضده ما رواه أبو هريرة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : يبدّل الله الأرض غير الأرض والسماوات ، فيبسطها ويمدّها مدّ الأديم العكاظي ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، ثم يزجر الله الخلق زجرة فإذا هم في هذه المبدّلة مثل مواضعهم من الأولى ، ما كان في بطنها كان في بطنها ، وما كان على ظهرها كان على ظهرها (والآخر) أن المعنى : تبدل الأرض وتنشأ أرض غيرها ، والسماوات كذلك تبدل بغيرها وتفنى هذه وقيل : تبدل الأرض لقوم بأرض الجنة ، ولقوم بأرض النار (وَبَرَزُوا لِلَّهِ) أي يظهرون من أرض قبورهم للمحاسبة لا يسترهم شيء ، وجعل ذلك بروزا لله لأن حسابهم معه وإن كانت الأشياء كلها بارزة له لا يسترها عنه شيء (الْواحِدِ) الذي لا شبه له ولا نظير (الْقَهَّارِ) المالك الذي لا يضام ، يقهر عباده بالموت (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ) يعني الكفار لأنه تقدّم ذكرهم (يَوْمَئِذٍ) أي يوم القيامة (مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) أي مجمعين في الأغلال ، قرنت أيديهم بها إلى أعناقهم وقيل : يقرن كل كافر مع شيطان كان يضلّه في غل من حديد عن ابن عباس والحسن ، ويبينه قوله تعالى : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ) ، أي قرناءهم من الشياطين وقوله : (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) (سَرابِيلُهُمْ) أي قميصهم (مِنْ قَطِرانٍ) وهو ما يطلى به الإبل شيء أسود لزج منتن يطلون به فيصير كالقميص عليهم ، ثم يرسل النار فيهم لتكون أسرع إليهم ، وأبلغ في الإشتعال ، وأشدّ في العذاب (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) أي وتصيب وجوههم النار (لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) أخبر سبحانه أنه إنما فعل ذلك بهم لتجزى كل نفس بما كسبت ، ان كسبت خيرا بأن آمنت وأطاعت أثابها الله بالنعيم المقيم ، وإن كسبت شرا بأن كفرت وجحدت عاقبها بالعذاب الأليم في نار الجحيم (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) أي سريع المجازاة (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) هو إشارة إلى القرآن أي هذا القرآن عظة للناس بالغة كافية (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) أي أنزل ليبلغوا وينذروا به ، وليخوفوا بما فيه من الوعيد (وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) لا شريك له بالنظر في أدلة التوحيد التي بينها الله في القرآن (وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) أي وليتعظ به أهل العقول وذوو النهى ، وفي هذه الآية دلالة على أن القرآن كاف في جميع ما يحتاج الناس إليه في أمور الدين ، لأن جميع أمور الدين جملها وتفاصيلها يعلم بالقرآن إما بنفسه وإما بواسطة فيجب على المؤمن المجتهد المهتم بأمور الدين أن يشمر عن ساق الجد في طلب أمور القرآن ، ويصدق عنايته بمعرفة ما فيه من بدائع الحكمة ، ومواضع البيان ، مكتفيا به عما سواه لينال السعادة في دنياه وعقباه. وفي قوله : ليذكر دلالة على أنه أراد من الجميع التدبّر والتذكّر ، وعلى أن العقل حجّة لأن غير ذوي العقول لا يمكنهم الفكر والإعتبار.
سورة الحجر مكية
عدد آياتها تسع وتسعون آية
١ ـ ٥ ـ (الر) قد تقدّم الكلام في هذه الحروف وأقوال العلماء فيها (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) أي هذه آيات