عاصم بن أبي النجود عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : ما رأيت أحدا أقرأ من علي بن أبي طالب عليهالسلام للقرآن ، وروى أبو عبد الرحمن أيضا عن عبد الله بن مسعود قال : لو كنت أعلم أن أحدا أعلم بكتاب الله منّي لأتيته ، فقلت له : فعلي؟ قال : أولم آته.
سورة إبراهيم
عدد آياتها اثنتان وخمسون آية
قال ابن عباس وقتادة والحسن : هي مكّية إلّا آيتان نزلتا في قتلى بدر من المشركين : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) ـ إلى قوله : (فَبِئْسَ الْقَرارُ).
لما ختم الله سورة الرعد بإثبات الرسالة وإنزال الكتاب افتتح هذه السورة ببيان الغرض في الرسالة والكتاب فقال :
١ ـ ٣ ـ (الر) قد ذكرنا معاني الحروف المقطعة في أوائل السور وذكرنا اختلاف الأقاويل فيه في أول البقرة (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ) يعني القرآن نزل به جبرئيل (ع) من عند الله تعالى ، أي هذا كتاب منزل إليك يا محمد (ص) ليس بسحر ولا بشعر (لِتُخْرِجَ النَّاسَ) أي جميع الخلق (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) أي من الضلالة إلى الهدى ، ومن الكفر إلى الإيمان (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي بإطلاق الله ذلك وأمره به ، وفي هذا دلالة على أنه سبحانه يريد الإيمان من جميع المكلفين لأن اللام لام الغرض ولا يجوز أن يكون لام العاقبة لأنه لو كان ذلك لكان الناس كلهم مؤمنين والمعلوم خلافه ثم بيّن سبحانه ما النور فقال (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) أي يخرجهم من ظلمات الكفر إلى طريق الله المؤدي إلى معرفة الله المنيع في سلطانه المحمود في فعاله ونعمه التي أنعم بها على عباده (اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي له التصرف فيهما على وجه لا اعتراض عليه (وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) أخبر أن الويل للكافرين الذين يجحدون نعم الله ولا يعترفون بوحدانيته من عذاب تتضاعف آلامه ثم وصف الكافرين بقوله (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) أي يختارون المقام في هذه الدنيا العاجلة على الكون في الآخرة لأن الدنيا دار انتقال وفناء ، والآخرة دار مقام وبقاء (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي يمنعون غيرهم من اتباع الطريق المؤدي إلى معرفة الله (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أي يطلبون للطريق عوجا : أي عدولا عن الإستقامة (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) أي في عدول عن الحق ، بعيد عن الإستقامة والصواب والسبيل : يذكّر ويؤنّث ، وقيل معناه : يلتمسون الدنيا من غير وجهها ، لأن نعمة الله لا تستمد إلّا بطاعته دون معصيته.
٤ ـ ٦ ـ ثم بيّن سبحانه أنه إنما يرسل الرسل إلى قومهم بلغتهم ليكون أقرب إلى الفهم ، وأقطع للعذر فقال (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) أي لم يرسل فيما مضى من الأزمان رسولا إلّا بلغة قومه ، حتى إذا بيّن لهم فهموا عنه ولا يحتاجون إلى من يترجمه عنه ، وقد أرسل الله تعالى نبينا محمدا (ص) إلى الخلق كافة بلسان قومه وهم العرب بدلالة قوله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) قال الحسن امتن الله على نبيه محمد (ص) انه لم يبعث رسولا إلّا إلى قومه وبعثه خاصة إلى جميع الخلق وبه قال مجاهد وقيل ان معناه انا كما أرسلناك إلى العرب بلغتهم لتبين لهم الدين ثم انهم يبينونه للناس كذلك أرسلنا كل رسول بلغة قومه ليظهر لهم الدين (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) عن طريق الجنة إذا كانوا مستحقين للعقاب (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) إلى طريق الجنة وقيل : يلطف لمن يشاء ممن له لطف ويضل عن ذلك من لا لطف له ، فمن تفكر وتدبر اهتدى ، ثبته الله ، ومن أعرض عنه خذله الله (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ظاهر المعنى. ثم ذكر سبحانه