أنهم يموتون على النفاق وكان ذلك معجزة للنبي (ص) لأنه خرج مخبره على وفق خبره (بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) بين سبحانه أن هذا إنما أصابهم بفعلهم السيء وهو اخلافهم الوعد وكذبهم (أَلَمْ يَعْلَمُوا) أي ألم يعلم هؤلاء المنافقون (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ) أي ما يخفون في أنفسهم (وَنَجْواهُمْ) ما يتناجون به بينهم ، وهذا استفهام يراد به التوبيخ المعنى : أنه يجب عليهم أن يعلموا ذلك (وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) جمع غيب وهو كل ما غاب عن الإحساس ومعناه : يعلم كل ما غاب من العباد وعن ادراكهم من موجود أو معدوم وفي قوله : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ) الآية ، لما تهاونوا باداء هذا الحق دعاهم ذلك إلى الثبات على النفاق إلى الممات ، وكذلك يدعو بعض الطاعات إلى بعض ، وعلى ذلك ترتيب الشرائع ، وفيه دلالة على أن الاخلاف والخيانة والكذب من اخلاق النفاق ، وقد صحّ في الحديث عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال : للمنافق ثلاث علامات : إذا حدث كذب ، إذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان.
٧٩ ـ ٨٠ ـ ثم وصفهم الله بصفة أخرى فقال (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ) أي يعيبون (الْمُطَّوِّعِينَ) المتطوعين بالصدقة (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ويطعنون عليهم (فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) أي ويعيبون الذين لا يجدون إلّا طاقتهم فيتصدقون بالقليل (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ) أي فيستهزؤون منهم (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) أي جازاهم جزاء سخريتهم حيث صاروا إلى النار (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي موجع مؤلم ، وروي عن النبي (ص) أنه سئل فقيل : يا رسول أيّ الصدقة أفضل؟ قال : جهد المقل (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) صيغته صيغة الأمر والمراد به المبالغة في الإياس من المغفرة ، كما قال سبحانه في موضع آخر : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) الوجه في تعليق الإستغفار بسبعين مرّة المبالغة لا العدد ، ويجري ذلك مجرى قول القائل : لو قلت لي ألف مرّة ما قبلت والمراد : أني لا أقبل منك ، فكذلك الآية ، والمراد بذلك فيها نفي الغفران جملة ، وقيل : إن العرب تبالغ بالسبعة والسبعين ، ولهذا قيل : للأسد السبع لأنهم تأولوا فيه لقوته انها ضوعفت له سبع مرات (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) معناه أنّ حرمان المغفرة لهم بكفرهم بالله ورسوله (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) مرّ معناه.
٨١ ـ ٨٣ ـ ثم أخبر سبحانه أن جماعة من المنافقين الذين خلّفهم النبي (ص) ولم يخرجهم معه إلى تبوك استأذنوه في التأخر فأذن لهم ، فرحوا بقعودهم فقال (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ) أي بقعودهم عن الجهاد (خِلافَ رَسُولِ اللهِ) أي بعده وقيل معناه : لمخالفتهم النبي (ص) (وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) ظاهر المعنى (قالُوا) أي قالوا للمسلمين ليصدّوهم عن الغزو (لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) أي لا تخرجوا إلى الغزو سراعا في هذا الحرّ وقيل بل معناه : قال بعضهم لبعض ذلك طلبا للراحة والدعة ، وعدولا عن تحمل المشاق في طاعة الله ومرضاته (قُلْ) يا محمد لهم (نارُ جَهَنَّمَ) التي وجبت لهم بالتخلف عن أمر الله تعالى (أَشَدُّ حَرًّا) من هذا الحرّ ، فهي أولى بالاحتراز والحذر عنها إذ لا يعتد بهذا الحر في جنب ذلك الحر (لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) أوامر الله تعالى ووعده ووعيده (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) هذا تهديد لهم في صورة الأمر ، أي فليضحك هؤلاء المنافقون في الدنيا قليلا لأن ذلك يفنى وإن دام إلى الموت ، ولأن الضحك في الدنيا قليل لكثرة أحزانها وهمومها ، وليبكوا كثيرا في الآخرة لأن ذلك يوم مقداره خمسين الف سنة وهم فيه يبكون فصار بكاؤهم كثيرا (جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من الكفر والنفاق والتخلف بغير عذر عن الجهاد. قال ابن عباس : إن أهل النفاق ليبكون في النار عمر الدنيا فلا يرقأ لهم