يعني آدم (مِنْ صَلْصالٍ) أي من طين يابس يسمع له عند النقر صلصلة أي صوت عن ابن عباس والحسن وقتادة وأكثر المفسرين وقيل طين صلب يخالطه الكثيب عن الضحاك وقيل منتن عن مجاهد واختاره الكسائي (مِنْ حَمَإٍ) أي من طين متغير (مَسْنُونٍ) أي مصبوب كأنه أفرغ حتى صار صورة كما يصب الذهب والفضة وقيل انه الرطب عن ابن عباس ، وقيل مسنون مصور عن سيبويه قال أخذ من سنة الوجه (وَالْجَانَ) وهو إبليس عن الحسن وقتادة وقيل هو أبو الجن ، كما ان آدم أبو البشر عن ابن عباس وقيل هم الجن نسل إبليس وهو منصوب بفعل مضمر ومعناه : وخلقنا الجان (خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) أي من قبل خلق آدم (مِنْ نارِ السَّمُومِ) أي من نار لها ريح حارة تقتل وقيل هي نار لا دخان لها والصواعق تكون منها وخلق الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار وقيل السموم النار الملتهبة عن أبي مسلم وفي هذا إشارة إلى أن الإنسان لا يفضل بأصله وإنما يفضل بدينه وعلمه وصالح عمله ، وأصل آدم (ع) كان من تراب وذلك قوله (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) ثم جعل التراب طينا وذلك قوله (وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) ثم ترك ذلك الطين حتى تغير واسترخى وذلك قوله (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) ثم ترك حتى جف وذلك قوله (مِنْ صَلْصالٍ) فهذه الأقوال لا تناقض فيها إذ هي إخبار عن حالاته المختلفة (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) تقديره : واذكر يا محمد إذ قال ربك للملائكة (إِنِّي خالِقٌ) أي سأخلق (بَشَراً) أي آدم ، وسمي بشرا لأنه ظاهر الجلد لا يواريه شعر ولا صوف (مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) مرّ معناه (فَإِذا سَوَّيْتُهُ) بإتمام خلقته ، وإكمال خلقه (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) والنفخ : إجراء الريح في الشيء باعتماد ، فلما أجرى الله سبحانه الروح في آدم على هذه الصفة كان قد نفخ الروح فيه ، وإنما أضاف روح آدم إلى نفسه تكرمة له وتشريفا ، وهي إضافة الملك (فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) أي اسجدوا له (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) هذا توكيد بعد توكيد عند سيبويه ، أي فسجدوا كلهم في حالة واحدة (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) أي امتنع أن يكون معهم فلم يسجد معهم (قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) هذا خطاب من الله سبحانه لإبليس ومعناه : لم لا تكون مع الساجدين فتسجد كما سجدوا؟ وإنما قال سبحانه بنفسه على جهة الإهانة له كما يقول لأهل النار : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (قالَ) أي قال إبليس مجيبا لهذا الكلام (لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ) أي ما كنت لأسجد (لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) لأني أشرف أصلا منه ، ولم يعلم أن التفاضل بالدين والأعمال لا بالأصل (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها) أي من الجنة (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) أي مشؤوم مطرود ملعون (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ) أي وان عليك مع ذلك اللعنة ، أي الابعاد من رحمة الله (إِلى يَوْمِ الدِّينِ) أي يوم الجزاء وهو يوم القيامة والمراد : ان الله سبحانه قد لعنك ، وأهل السماء والأرض يلعنونك لعنة لازمة لك إلى يوم القيامة ، ثم يحصل بعد ذلك على الجزاء بعذاب النار.
٣٦ ـ ٤٤ ـ ثم بيّن سبحانه ما سأله إبليس عند اياسه من الآخرة فقال عز اسمه (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي) أي فامهلني وأخرني (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي يحشرون للجزاء استنظره إبليس إلى يوم القيامة لئلا يموت إذ يوم القيامة لا يموت فيه أحد ، فلم يجبه الله تعالى إلى ذلك بل (قالَ) له (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) الذي هو آخر أيام التكليف ، وهو النفخة الأولى حين يموت الخلائق ، عن ابن عباس ، وقيل : الوقت المعلوم يوم القيامة ، أنظره الله سبحانه في رفع العذاب عنه إلى يوم القيامة ، وقيل : هو الوقت الذي قدّر الله أجله فيه ، وهو معلوم لله سبحانه غير معلوم لابليس ، فأبهم ولم يبيّن ، لأن في بيانه إغراء بالمعصية ، عن البلخي (قالَ) إبليس (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) ان الإغواء الأول والثاني بمعنى