فرعون وقومه (زِينَةً) يتزيّنون بها من الحلي والثياب (وَأَمْوالاً) يتعظمون بها (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وإنما أعطاهم الله تعالى ذلك للإنعام عليهم مع تعريه من وجود الاستفساد (رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) اللام للعاقبة والمعنى : وعاقبة أمرهم أنهم يضلون عن سبيلك ولا يجوز أن يكون لام الغرض لأنا قد علمنا بالأدلة الواضحة أن الله سبحانه لا يبعث الرسول ليأمر الخلق بالضلال ، ولا يريد أيضا منهم الضلال ، وكذلك لا يؤتيهم المال ليضلوا (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) فدلّ ذلك على أنه أراد به الدعاء عليهم ، والمراد بالطمس على الأموال : تغييرها عن جهتها إلى جهة لا ينتفع بها ، قال مجاهد وقتادة وعامة أهل التفسير : صارت جميع أموالهم حجارة حتى السكر (وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) معناه : أمتهم بعد سلب أموالهم وأهلكهم (فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) معناه : أنهم لا يؤمنون إيمان الجاء حتى يروا العذاب وهم مع ذلك لا يؤمنون إيمان اختيار أصلا. ثم أخبر سبحانه أنه أجاب لهما الدعوة فقال (قالَ) أي قال : الله تعالى لموسى وهارون (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) والداعي كان موسى (ع) لأنه كان يدعو وكان هارون يؤمن على دعائه فسماهما داعيين (فَاسْتَقِيما) أي فاثبتا على ما أمرتما من دعاء الناس إلى الإيمان بالله تعالى ، والإنذار والوعظ (وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) نهاهما سبحانه عن أن يتبعا طريقة من لا يؤمن بالله ولا يعرفه ، ولا يعرف أنبياءه عليهمالسلام.
٩٠ ـ ٩٢ ـ ثم بيّن سبحانه مآل آل فرعون وقومه فقال (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) أي عبرنا بهم البحر حتى جاوزوه سالمين يبسنا لهم البحر ، وفرقنا لهم الماء اثني عشر فرقا (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً) أي ليبغوا عليهم ويظلموهم ، وذلك أن الله سبحانه لما أجاب دعاء موسى أمره بإخراج بني إسرائيل من مصر ليلا ، فخرج وتبعهم فرعون وجنوده مشرقين حتى انتهوا إلى البحر ، وأمر الله سبحانه موسى (ع) فضرب البحر بعصاه فانفلق ، فلما وصل فرعون بجنوده إلى البحر رأوا البحر بتلك الهيئة فهابوا دخول البحر ، وكان فرعون على حصان ادهم فجاء جبرائيل عليهالسلام على فرس وديق وخاض البحر ، وميكائيل يسوقهم ، فلما شمّ ادهم فرعون ريح فرس جبريل (ع) انسل خلفه في الماء ، واقتحمت الخيول خلفه ، فلما دخل آخرهم البحر وهمّ أولهم أن يخرج انطبق الماء عليهم (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ) أي وصل إليه الغرق وايقن بالهلاك (قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) وكان ذلك إيمان الجاء لا يستحق به الثواب فلم ينفعه إيمانه (آلْآنَ) أي قيل له : الآن آمنت حين لا ينفع الإيمان ولا يقبل لأنه حال الإلجاء (وَقَدْ عَصَيْتَ) بترك الإيمان في حال ما ينفعك الإيمان فهلا آمنت (قَبْلُ) ذلك (وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) في الأرض بقتل المؤمنين وادعاء الإلهية وأنواع الكفر (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) قال أكثر المفسرين معناه : لما أغرق الله فرعون وقومه أنكر بعض بني اسرائيل غرق فرعون وقالوا : هو أعظم شأنا من أن يغرق ، فأخرجه الله حتى رأوه فذلك قوله : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ) ، أي نلقيك على نجوة من الأرض : وهي المكان المرتفع ببدنك ، أي بجسدك من غير روح ، وذلك أنه طفا عريانا (لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) أي لتكون نكالا لمن خلفك فلا يقولوا مثل مقالتك (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) يعني أن كثيرا من الناس عن التفكر في دلالاتنا ، والتدبر لحججنا وبيناتنا غافلون : أي ذاهبون.
٩٣ ـ (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) مكّناهم مكانا محمودا وهو بيت القدس والشام (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي مكّناهم الأشياء اللذيذة ، وهذا يدل على سعة ارزاق بني إسرائيل (فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) معناه : فما اختلفوا